للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتركتم محض القياس، وفرقتم بفرق (١) لا تأثير له، ولا يتحصَّل منه عند التحقيق شيء، واللَّه المستعان وعليه التكلان.

فصل [مَثلٌ مما جمع فيه القياسيون بين المتفرقات]

وجمعتم بين ما فرَّق اللَّه بينه من الأعضاء الطاهرة والأعضاء النجسة؛ فنجَّستم الماء الذي يُلاقي هذه وهذه عند رفع الحدث، وفرقتم بين ما جمع اللَّه بينه من الوضوء والتيمم فقلتم: يصح أحدهما بلا نية دون الآخر، وجمعتم بين ما فرَّق اللَّه بينهما من الشُّعور والأعضاء فنجستم كليهما بالموت، وفرقتم بين ما جمع اللَّه بينهما من سباع البهائم فنجستم منها الكلب والخنزير دون سائرها، وجمعتم بين ما فرق اللَّه بينه وهو الناسي والعامد والمخطئ والذاكر والعالم والجاهل؛ فإنه سبحانه (٢) فرّق بينهم في الإثم فجمعتم بينهم في الحكم في كثير من المواضع، كمن صلى بالنجاسة ناسيًا أو عامدًا، وكَمَنْ فعل المحلوف عليه ناسيًا أو عامدًا، [وكمن تطيَّب في إحرامه أو قَلَّم ظُفره أو حلق شعره ناسيًا أو عامدًا] (٣) فسويتم بينهما، وفرقتم بين ما جمع اللَّه بينه من الجاهل والناسي فأوجبتم القضاء على من أكل في رمضان جاهلًا ببقاء النهار دون الناسي، وفي غير ذلك من المسائل، وفرقتم بين ما جمع اللَّه بينه من عقود الإجارات كاستئجار الرجل لطحن الحب بنصف كُرٍّ (٤) من دقيقٍ واستئجاره لطحنه بنصف كُرٍّ منه، فصححتم الأول دون الثاني، مع استوائهما من جميع الوجوه، وفرَّقتم بأَنَّ العمل في الأول [في] (٥) العوض الذي استأجره به ليس مُسْتَحقًا عليه، وفي الثاني العملُ مستحقٌ عليه فيكون مستحقًا له وعليه، وهذا فرق صوري لا تأثير له ولا تتعلق (٦) بوجوده مفسدةٌ قط، لا جهالة ولا ربا ولا غَرَر ولا تنازع ولا هي مما يمنع صحة العقد بوجه، وأيُّ غررٍ أو مفسدة أو مضرة للمتعاقِدَيْن في أن يدفع إليه غزله ينسجه


(١) في المطبوع و (ن): "تفريقًا".
(٢) في (ق): "فإن اللَّه سبحانه".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٤) "الكر": مكيال للعراق. (ط).
قلت: الكُرّ -بضم الكاف وتشديد الراء، جمعه: أكرار-: مكيال لأهل العراق، قدره ٦٠ قفيزًا، أو ٤٠ أردبًا، أو ٧٢٠ صاعًا. انظر: "معجم لغة الفقهاء" (ص: ٣٧٩).
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٦) في (ق): "يتعلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>