للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[حجج إبطال التقليد]]

الوجه السابع والثلاثون: قولهم إن عمر قال لأَبي بكر: رأُينا لرأيك تَبَعٌ؛ فالظاهر أن المحتج بهذا سمع الناس يقولون كلمة تكفي العاقل فاقتصر من الحديث على هذه الكلمة، واكتفى بها، والحديث من أعظم الأشياء إبطالًا لقوله: ففي "صحيح البخاري" عن طارق بن شهاب قال: جاء وفْدُ بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألون الصلح، فخيَّرهم بين الحرب المُجْلية (١) والسِّلم المخزية (٢)، فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية؟ قال: ننزع منكم الحلقة والكُراع (٣)، ونغنم ما أصبنا لكم، وتردّون علينا (٤) ما أصبتم منا، وتدون لنا قتْلانا، وتكون قتلاكم في النار، وتتركون أقوامًا يتبعون أذناب الإبل حتى يُرِيَ اللَّه خليفة رسوله والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به، فَعَرَضَ أبو بكر ما قال على القوم، فقام عمر بن الخطاب فقال: قد رأيت رأيًا سنشير عليك: أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت، وما ذكرت من أن نَغنَم ما أصبنا منكم وتردُّون ما أصبتم مِنَّا فنعمَ ما ذكرت، وأما ما ذكرت من [أن] (٥) تدُون قتلانا وتكون قتلاكم في النار؛ فإن قَتْلانا قَاتَلت فقُتلت على ما أمر اللَّه أجورها على اللَّه ليس لها دِيَّات، فتتابع القوم على ما قال عمر، فهذا هو الحديث الذي في بعض ألفاظه: "قد رأيت رأيًا ورأينا لرأيك تبع" (٦) فأي مستراحٍ في هذا لفرقة التقليد؟


(١) وهي التي تجلي الناس عن أوطانهم.
(٢) وهي التي تخزيهم، أي توقعهم في الخزي، وهو الهوان.
(٣) "الحلقة: السلاح عامة أو الدروع خاصة، والكراع: اسم لجميع الخيل" (و).
(٤) في المطبوع: "لنا".
(٥) ما بين المعقوفتين من المطبوع.
(٦) رواه البخاري في "صحيحه" (٧٢٢١) في (الأحكام): باب الاستخلاف وهو عنده مختصر جدًا.
وهو بهذه السياقة التي ذكرها المؤلف: رواه البرقاني في "مستخرجه" كما ذكر الحافظ في "الفتح" (١٣/ ٢١٠) بالإسناد الذي رواه البخاري نفسه.
وذكره الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" (١/ ٩٦ رقم ١٧) وعزاه له ابن الأثير في "جامع الأصول" (١١/ ٧٩٣).
وانظر أيضًا "عمدة القاري" (٢٤/ ٢٨١) حيث قال: وقال يعقوب بن محمد الزهري. . . فذكره بإسناده مطولًا كما هو عند ابن القيم هنا ورواه سعيد بن منصور في "السنن" (٢/ ٣٦١)، وأبو عبيد (٢٥٤) وعنه ابن زنجويه (٢/ ٤٦٠، ٤٦١ رقم ٧٤٢) كلاهما في "الأموال"، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٣٣٥)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (١٨٣٠)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

<<  <  ج: ص:  >  >>