للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانية: أن يكون بِكْرًا، لم يعلم ما عَلِمه المُحْصَن ولا عمل ما عمله؛ فحَصلَ له من العذر بعض ما أوجب له التخفيف؛ فحُقن دمه، وزُجر بإيلام جميع بدنه بأعلى أنواع الجلد ردعًا [عن] (١) المعاودة للاستمتاع بالحرام، وبعثًا له على القنع (٢) بما رزقه اللَّه من الحلال، وهذا في غاية الحكمة والمصلحة، جامع للتخفيف في موضعه والتغليظ في موضعه، وأين هذا من قطع لسان الشاتم والقاذف وما فيه من الإسراف والعُدوان؟.

ثم إن قطعَ فَرجَ الزاني فيه من تعطيل النسل [وقطعه] (٣) عكس مقصود الرب تعالى من تكثير الذرية وذريتهم فيما جعل لهم من أزواجهم، وفيه من المفاسد أضعاف ما يُتوهم فيه من مصلحة الزجر، وفيه إخلاءُ جميع البدن من العقوبة، وقد حصلت جريمة الزنا بجميع أجزائه؛ فكان من العدل أن تعمه العقوبة، ثم إنه غير [متصور في حق المرأة] (٤)، وكلاهما زان؛ فلابد أن يستويا في العقوبة، فكان شرع اللَّه سبحانه أكمل من اقتراح المقترحين (٥).

[[إتلاف النفس عقوبة أفظع أنواع الجرائم]]

وتأمل كيف جاء إتلاف النفوس في مقابلة أكبر الكبائر وأعظمها ضررًا وأشدها فسادًا للعالم، وهي الكفرُ الأصلي والطارئُ، والقتل، وزنى المحصن، وإذا تأمل العاقل فساد الوجود رآه من هذه الجهات الثلاث، وهذه هي الثلاث التي أجاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعبد اللَّه بن مسعود بها حيث قال له: "يا رسول اللَّه، أي الذنبِ أعظم؟ قال: أن تجعل للَّه ندًا وهو خلقك. قال: قلت: ثم أيُّ؟ قال: أن تقتلَ ولدك خشية أن يَطْعمَ معك. قال: قلت: ثم أيُّ؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك" فأنزل اللَّه -عز وجل- تصديقَ ذلك: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: ٦٨] الآية (٦).


(١) في (ط): "على"!
(٢) في (ك): "التقنع".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٤) بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "مقصوص في غير حق المرأة".
(٥) انظر: "الداء والدواء" (ص ١٦٠)، و"الحدود والتعزيرات" (ص ٩٧ - ١٠٠).
(٦) رواه البخاري (٤٤٧٧) في (التفسير): باب قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، و (٤٧٦١) باب {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، و (٦٠٠١) في (الأدب): باب قتل الولد خشية أن يأكل معه، و (٦٨١١) في (الحدود): باب إثم الزناة، و (٧٥٢٠) في (التوحيد): باب قول اللَّه تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}، و (٧٥٣٢) باب =

<<  <  ج: ص:  >  >>