للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو مقدم على خبر الواحد، ولا يمكنهم ولا أحد من الفقهاء طرد هذا القول ألبتة، بل لا بد من تناقضهم، واضطربوا في تقديمه على الخبر المرسل، وعلى قول الصحابي؛ فمنهم من قدم القياس، ومنهم من قدم المرسل وقول الصحابي، وأكثرهم -بل كلهم- يقدمون هذا تارة، وهذا تارة؛ فهذا تناقضهم في التأصيل.

وأما تناقضهم في التفصيل فنذكر منه طرفًا يسيرًا يدل على ما وراءه من قياسهم في المسألة قياسًا وتركهم فيها مثله أو ما هو أقوى منه، أو تركهم نظير ذلك القياس أو أقوى منه في مسألة أخرى، لا فرق بينهما ألبتة.

[[أمثلة من تناقض القياسيين]]

فمن ذلك أنهم أجازوا الوضوء بنبيذ التمر، وقاسوا في أحد القولين عليه سائرَ الأنبذة، وفي القول الآخر لم يقيسوا عليه، فإن كان هذا القياس حقًا فقد تركوه، وإن كان باطلًا فقد استعملوه، ولم يقيسوا عليه الخل ولا فرق بينهما؛ وكيف كان نبيذ التمر تمرةً طيبةً وماءً طهورًا (١)، ولم يكن الخل عنبةً طيبةً وماءً طهورًا (١)، والمرق لحمًا طيبًا وماءً ظهورًا (٢)، ونقيع المشمش [والزبيب] (٣) كذلك؟ فإن ادعوا الإجماع على عدم الوضوء بذلك فليس فيه إجماع؛ فقد قال الحسن بن صالح بن حي، وحميد بن عبد الرحمن: يجوز الوضوء بالخل، وإن كان الإجماع (٤) كما ذكرتم فهلا قستم المنع من الوضوء بالنبيذ على ما أجمعوا عليه من المنع من الوضوء بالخل؟ فإن قلتم: اقتصرنا على موضع النص ولم نقس عليه، قيل لكم: فهلا سلكتم ذلك في جميع نصوصه، واقتصرتم على محالها الخاصة، ولم تقيسوا عليها؟ فإن قلتم: لأن هذا خلاف القياس، قيل لكم: فقد صرحتم أن ما ثبت على خلات القياس يجوز القياس عليه، ثم هذا يبطل أصل القياس، فإنه إذا جاز ورود الشريعة (٥) بخلاف القياس علم أن القياس ليس من الحق، وأنه عينُ الباطل؛ فإن الشريعة لا ترد بخلاف الحق أصلًا؛ ثم إن من قاعدتكم أن خبر الواحد إذا خالف الأصول لم يقبل، وفي أي الأصول وجدتم ما


(١) في (ق) و (ك): "ماء طهور"!
(٢) في (ق): "لحم طيب وماء طهور".
(٣) في (ق) و (ك): "الزيت"، وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة كما أثبتناه.
(٤) في (ق): "إجماع".
(٥) في (ن): "الشرع"، وفي (ك) و (ق): "جاز ورود الشرع".

<<  <  ج: ص:  >  >>