للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأصابته ريحٌ شديدةُ البردِ جدًّا، يحرق بردُها ما يمر (١) عليه من الزرع والثمار، فأهلكت ذلك الزرعَ وأيْبسته.

واخْتُلف في الصِّر؛ فقيل: البرد الشديد، وقيل: النار، قاله ابن عباس (٢). قال ابن الأنباري: وإنَّما وُصفت النار بأنها (٣) صِرٌّ لِتَصْرِيتها عند الالتهاب. وقيل: الصر: الصوتُ الذي يصحبُ الريحَ من شدة هُبُوبها، فالأقوالُ الثلاثة متلازمة؛ فهو بَرْد شديد مُحْرِق بيبسه (٤) للحَرْث كما تحرقه النار، وفيه صوت شديد.

وفي قوله: {أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} تنبيهٌ على أن سبب إصابتها لحرثهم هو ظُلْمهُم؛ فهو الذي سَلَّط عليهم الريحَ المذكورةَ حتى أهلكتْ زرعهم وأيبسته، فظلمهم هو الريح التي أهلكتْ أعمالهم ونفقاتهم وأتلفتها، [واللَّه المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به] (٥).

فصل [مثل المُوحِّد والمشرك]

ومنها قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٩)} [الزمر: ٢٩]، هذا مثل ضربه اللَّه [سبحانه] (٦) للمشرك والموحِّدِ؛ فالمشركُ بمنزلة عبد يملكه (٧) جماعةٌ متنازعون مختلفون متشاحنون، والرجل الشَّكِسُ (٨): الضَّيقُ الخُلُق، فالمشرك [لمَّا كان يعبد آلهة شَتَّى شُبِّه بعبد يملكه جماعة متنافسون] (٩) في خدمته، لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين، والموحِّدُ لمَّا كان يعبد اللَّه وحده فمثله كمثل عبدٍ لرجلٍ


(١) (ق): "تمر".
(٢) لم أعثر في "الدر المنثور"، ولا في "جامع البيان"، ولا في غيرهما على تفسير لابن عباس أن الصر: النار، وإنما ورد عنه أنه البرد الشديد؛ فانظر تفسير ابن أبي حاتم (٢/ ٥٢٤)، و"جامع البيان" (٤/ ٥٩ - ٦٠)، و"الدر المنثور" (٢/ ٢٩٩).
(٣) في (ق): "أنها".
(٤) (ن): "ميبسه"، وسقطت من (ق).
(٥) بين المعقوفتين من (ق) و (ك).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٧) (ق): "تملكه".
(٨) المطبوع: "متشاحون، والرجل المتشاكس".
(٩) (ن): "متشاكسون" وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>