للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نيتُه إنما هي تحصيل الخمر لم ينفعه ظاهر عصره، ولم يعصمه من اللعنة لباطن قصده ومراده، فعُلِمَ أن الاعتبار في العقود والأفعال بحقائقها ومقاصدها دون ظواهر ألفاظها وأفعالها. ومَنْ لم يراع القُصُودَ في العقود وجَرَى مع ظواهرها يلزمه أن لا يلعن العاصر، وأن يجوّزَ له عَصْر العنب لكل أحد وإن ظهر له أن قصده الخمر، وأن يقضي له بالأجرة لعدم تأثير القصد في العقد عنده، ولقد صَرَّحُوا [له] (١) بذلك، وجوَّزوا له العصر، وقَضَوا له بالأجرة، وقد رُوي في أثر مرفوع من حديث ابن بُريدة عن أبيه: "من حَبَسَ العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو مَنْ يتخذه خمرًا فقد تقَحَّمَ النار على بصيرة" (٢) ذكره [أبو] (٣) عبد اللَّه بن بطَّة، ومَنْ لم يراع القصد (٤) في العقد لم ير بذلك بأسًا.

[المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرّفات]

وقاعدة الشريعة التي لا يجوز هَدْمُها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات كما هي معتبرة في التقربات والعبادات (٥)؛ فالقصد والنية


(١) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٢) رواه ابن حبان في "المجروحين" (١/ ٢٣٦) -ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (رقم ١١٢٦) - والطبراني في "الأوسط" (٥٣٥٦)، والسهمي في "تاريخ جرجان" (ص ٢٤١) من طريق عبد الكريم عن الحسن بن مسلم التاجر عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعًا به.
وعزاه لابن بطة ابن تيمية في "بيان الدليل" (ص ١٣٣).
قال ابن حبان: "لا أصل له من حديث حسين بن واقد؛ فينبغي أن يعدل بالحسن عن سنن العدول بروايته هذا الخبر المنكر".
وقال أبو حاتم -كما في "علل ابنه" (١/ ٣٨٩) - "هذا حديث كذب باطل".
قلت "القائل ابنه": تعرف عبد الكريم هذا؟ قال: لا، قلت: فتعرف الحسن بن مسلم؟ قال: لا، ولكن تدل روايتهم على الكذب.
وعبد الكريم هذا وقع اسمه عند ابن حبان: عبد الكريم بن عبد اللَّه، وعند الطبراني في "الأوسط": عبد الكريم بن أبي عبد الكريم.
وترجمه السهمي عبد الكريم بن عبد الكريم، ولم يذكر فبه جرحًا ولا تعديلًا.
أما الحافظ ابن حجر فذكر هذا الحديث في "التلخيص الحبير" (٣/ ١٩)، وسكت عليه، وذكره في "بلوغ المرام"، وقال: إسناده حسن!! مع أنه في "اللسان" (٢/ ٣١٦) أقر الذهبي على قوله عنه: "خبر موضوع" فسبحان من لا يسهو!!
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٤) في (ق): "القصود".
(٥) انظر: "إغاثة اللهفان" (١/ ٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>