للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يقصد حقائق هذه العقود، وأبلغ من هذا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما أقضي بنحو ما أسمع، فمن قَضَيْتُ له بشيء من حقِّ أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار" (١) فأخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه يحكم بالظاهر وإن كان في نفس الأمر لا يَحلُّ للمحكوم له ما حكم له به، وفي هذا كله دلالة على إلغاء المقاصد والنيات في العقود، وإبطال سد الذرائع، واتِّباع ظواهر عقود الناس وألفاظهم، وباللَّه التوفيق.

[[القول الفصل في هذه المسألة]]

فانظر ملتقى البحرين، ومُعْتَرَكَ الفريقين، فقد أبرز كل منهما حجته، وخاض بحر العلم فبلغ منه لُجَّتَه، وأدْلى من الحجج والبراهين بما لا يُدفع، وقال ما هو حقيق بأن يقول له أهل العلم: قل: يُسْمَعْ، وحُججُ اللَّه لا تتعارض، وأدلة الشرع لا تتناقض، والحق يُصدِّق بعضه بعضًا، ولا يقبل معارضة ولا نقضًا، وحرامٌ على المقلد المتعصب أن يكون من أهل هذا الطراز الأول، أو يكون على قوله وبحثه إذا حقَّت الحقائق المُعَوَّل، فليجرب المدعي ما ليس له والمدعي في قوم ليس منهم نفسه وعلمه وما حصَّله في الحكم بين الفريقين، والقضاء للفصل (٢) بين المتغالِبَيْن، وليبطل الحجج والأدلة من أحد الجانبين، ليسلم له قول إحدى


= الحديث ضعيف؛ إلا أنه صالح للشواهد، والحديث له شواهد كثيرة يجبر بها، ويصل إن شاء اللَّه تعالى إلى درجة الحسن، منها:
ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٦/ ١٣٥/ رقم ١٠٢٥٠) عن ابن جريج؛ قال: أخبرت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "من طلق أو نكح لاعبًا؛ فقد أجاز"، وإسناده معضل.
وأخرجه أيضًا برقم (١٠٢٤٩) عن إبراهيم بن محمد عن صفوان بن سليم؛ أن أبا ذر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من طلق وهو لاعب؛ فطلاقه جائز، ومن أعتق وهو لاعب، فعتاقه جائز، ومن أنكح وهو لاعب، فنكاحه جائز"، وإسناده واهٍ بمرة، إبراهيم هو الأسلمي، متروك، وفيه انقطاع.
وانظر: "نصب الراية" (٣/ ٢٩٣ - ٢٩٤)، و"التلخيص الحبير" (٣/ ٢٠٩)، و"الإرواء" (١٨٢٦).
(١) رواه البخاري (٢٤٥٨) في (المظالم): باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه، و (٢٦٨٠) في (الشهادات): باب من أقام البينة بعد اليمين، و (٧١٦٩) في (الأحكام): باب موعظة الإمام للخصوم، و (٧١٨١) باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه، و (٧١٨٥) باب القضاء في كثير المال وقليله، ومسلم (١٧١٣) في (الأقضية): باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، من حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-.
(٢) في (ك) و (ق): "الفصل".

<<  <  ج: ص:  >  >>