للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[طاعة الأمراء تابعة لطاعة العلماء]]

والتحقيق أن الأمراء إنما يُطَاعون إذا أَمَرُوا بمقتضى العلم؛ فطاعتهم تبع لطاعة العلماء، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف، [وما أوجبه العلم] (١)، فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول، فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء، ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء، وكان الناس كلهم لهم تبعًا، كان صلاحُ العالم بصلاح هاتين الطائفتين، وفساده بفسادهما، كما قال عبد اللَّه بن مبارك، وغيره من السلف: صنفان من الناس إذا صلحا (٢) صلح الناس، وإذا فسدا (٣) فسد الناس، قيل: من هم؟ قال: الملوك، والعلماء (٤)، وقال (٥) عبد اللَّه بن مبارك (٦):

رأيْتُ الذنوبَ تُمِيتُ القلوبَ ... وقد يورث الذُّلَّ إدْمانُهَا

وتَرْكُ الذنوبِ حياةُ القلوب ... وخَيْرٌ لنفسِكَ عِصْيَانُها

وهل أفسد الدينَ إلا الملوكَ ... وأحْبارُ سوءٍ ورُهْبَانُهَا

فصل [ما يشترط فيمن يوقع عن اللَّه ورسوله أو صفات المبلغين عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-]

ولما كان التبليغُ عن اللَّه -سبحانه- يعتمد العلم بما يبلغ، والصدقَ فيه، لم تصلح مرتبة التبليِغ بالرواية والفُتْيَا؛ إلا لمن اتصف بالعلم والصدق؛ فيكون عالمًا بما يُبلِّغ، صادقًا فيه، ويكون مع ذلك حَسَنَ الطريقة، مرضِيَّ السيرة، عدلًا في أقوالِه وأفعاله، متشابه السِرِّ والعلانية في مَدْخله ومَخَرْجه وأحواله؛ وإذا كان


(١) في (ك): "لا فيما أوجبه أحد".
(٢) في (ك): "صلحوا".
(٣) في (ك): "فسدوا".
(٤) أخرجه الدينوري في "المجالسة" (رقم ٤٦٩ - بتحقيقي)، وأبو نعيم في "الحلية" (٧/ ٥) وابن الجوزي في "المصباح المضيء" (١/ ٢٤٥)، و"الشفاء" (ص ٤٣ - ٤٤) عن سفيان الثوري قوله.
وروي مرفوعًا ولم يصح، كما بيّنته في تعليقي علي "فضيلة العادلين"، لأبي نعيم و"تخريجه" للسخاوي (رقم ٣٦)، وقول سفيان أشبه.
(٥) في المطبوع و (ك): "كما قال".
(٦) عزاها غير واحد من العلماء والأدباء لعبد اللَّه بن المبارك، كما بيّنته بإسهاب في تعليقي على "المجالسة" (رقم ١٧٧)، والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصّالحات.
ووقع في (ق): "المبارك".

<<  <  ج: ص:  >  >>