للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أقرب القياس إلى الصواب، وأبعده عن الفساد، وأقربه إلى النصوص، مع شدة ورعهم وما منحهم اللَّه من محبة المؤمنين لهم وتعظيمِ المسلمين علمائِهم وعامَّتِهم لهم، فإن احتجَّ كل فريق منهم بترجيح متبوعه بوجه من وجوه التراجيح من (١) تقدم زمان أو زهد أو ورع أو لقاء شيوخ وأئمة لم يلقهم مَنْ بعده أو كثرة أتباع لم يكونوا لغيره أَمكنَ الفريق الآخر أن يُبدوا لمتبوعهم من الترجيح بذلك أو غيره ما هو مثل هذا أو فوقه، وأمكن غير هؤلاء كلهم أن يقولوا لهم جميعًا: نفوذ قولكم هذا إن لم تأنفوا من التناقض يوجب عليكم أن تتركوا قول متبوعكم لقول من هو أقدم منه من الصحابة والتابعين وأعلم وأورع وأزهد وأكثر أتباعًا وأجل، فأين أتباع ابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل بل أتباع عمر وعلي من أتباع الأئمة المتأخرين في الكثرة والجلالة؟

[[فضل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين]]

وهذا أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- قال البخاري (٢): "حَملَ العلم عنه ثمان مئة رجل ما بين صاحب وتابع"، وهذا زيد بن ثابت من جملة أصحابه عبد اللَّه بن عباس، وأين في أتباع الأئمة مثل عطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وعُبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عُتبة وجابر بن زيد؟ وأين في أتباعهم مثل السَّعيدين والشعبى ومسروق وعلقمة والأسود وشُريح؟ وأين في أتباعهم مثل نافع وسالم والقاسم وعروة وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن؟ فما الذي جَعلَ الأئمةَ بأتباعِهم أَسعدَ من هؤلاء بأتباعهم؟ ولكن أولئك وأتباعهم على قدر عصرهم فعظمُهم وجلالتُهم وكبرُهم منع المتأخرين من الاقتداء بهم، وقالوا بلسان قالهم وحالهم: هؤلاء كبارٌ علينا لسنا من زبونهم، كما صَرَّحوا وشهدوا على أنفسهم بأن (٣) أقدارهم تتقاصر عن تلقي العلم من القرآن والسنة، وقالوا: لسنا أهلًا لذلك، لا لقصور الكتاب والسنة، ولكن لعجزنا نحن وقصورنا، فاكتفينا بمن هو أعلم بهما مِنَّا، فيقال لهم: فَلِمَ تنكرون على من اقتدى بهما وحَكَّمهما وتحاكم إليهما وعَرضَ أقوال العلماء عليهما فما وافقهما قبِله وما خالفهما رَدَّه؟ فهب أنكم لم تصلوا إلى هذا العنقود فلم تنكرون على من وصل إليه وذاق حَلاوتَه؟ وكيف


(١) في (ق) و (ك): "في".
(٢) نقلها عن البخاري ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (١/ ٢١٤).
(٣) في المطبوع: "فإن".

<<  <  ج: ص:  >  >>