كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

[خطاب عمر إلى أبي موسى] - فصل - ج: 3 - ص: 168

روايتان عن أحمد (١)، فمن جعله مستحقًا بالشرط جعله من هذا الباب، ومن ذلك إذا جعل للطبيب جُعْلًا على الشفاء جاز، كما أخذ أصحابُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- القطيع من الشَّاءِ الذي جعله لهم سَيِّدُ الحي، فَرَقَاه أحدُهم حتى برئ (٢)، والجُعْل كان على الشفاء لا على القراءة، ولو استأجر طبيبًا إجارة لازمة على الشفاء لم يصح؛ لأن الشفاء غير مقدور له (٣)، فقد يشفيه اللَّه وقد لا يشفيه، فهذه ونحوه مما تجوز فيه الجَعَالة، دون الإجارة اللازمة.

[فصل]

وأما النوع الثالث فهو: ما لا يُقْصَد فيه العمل، بل المقصود فيه المال، وهو المضاربة، فإن ربَّ المال ليس له قصدٌ في نفس العمل كما للجاعل (٤)، والمستأجر [له] (٥) قصد في عَملِ العامل، ولهذا لو عمل ما عمل ولم يربح شيئًا لم يكن له شيءٌ، وإن سَمَّى هذا جَعَالة بجزء مما يحصل من العمل كان [هذا] (٦) نزاعًا لفظيًا، بل هذه مشاركة: هذا بنفعِ ماله، وهذا بنفع بدنه (٧)، وما قسم اللَّه من ربح كان بينهما على الإشاعة؛ ولهذا لا يجوز أن يختص أحدُهما بربح مقدر؛ لأن هذا يخرجهما عن العَدْل الواجب في الشركة، وهذا هو الذي نهى عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من المزارعة، فإنهم كانوا يشترطون لربِّ الأبيض زرعَ بقعة بعينها، وهو ما نبت على الماذياناتِ (٨) وأقبال الجداول ونحو ذلك، فنهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنه (٩)، ولهذا قال الليث بن سعد وغيره: " [إن] (٥) الذي نَهَى عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرٌ لو نَظرَ فيه ذو البصيرة

---

(١) انظر: "المغني" (١٣/ ٦٤)، "المبدع" (٣/ ٣٧٠)، "المحرر" (٢/ ١٧٤)، "الإنصاف" (٤/ ١٤٨)، "منتهى الإرادات" (١/ ٦٣٥)، "كشاف القناع" (٣/ ٧٠).
(٢) أخرجه البخاري (٢٢٧٦) (كتاب الإجارة): باب ما يُعطى في الرُّقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، عن أبي سعيد الخدري رفعه، ووقع في (ق): "فرقاه بعضهم حتى برأ".
(٣) في (ن): "لأنه غير مقدور له".
(٤) في المطبوع: "في نفس عمل العامل كالمجاعل"، وفي (ن) و (ك): "في نفس عمل العامل كالجاعل".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ق) و (ك).
(٧) في (ن): "هذا ينفع بماله، وهذا ينفع ببدنه"، وفي (ق): "هذا لنفع ماله، وهذا لنفع بدنه".
(٨) "بكسر الذال وفتحها: مسائل الماء، أو ما ينبت على حافتي مسيل الماء، أو حولي السواقي" (و). قلت: وهي لفظة معربة، وليست عربية.
ووقع في (ك): "وهو ما ينبت على الماذيانات"
(٩) أخرج البخاري (٢٣٣٢) (كتاب الحرث والمزارعة): باب ما يكره من الشروط في =