للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا معنى [حديث ابن عباس الذي رَوَاه أبو داود وصححه الحاكم وغيره] (١): "لعن اللَّه اليهود! حرِّمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن اللَّه إذا حرَّم على قوم أكْلَ شيء حرم عليهم ثمنه" (٢) يعني ثمنه المقابل لمنفعة الأكل، فأما إن كانت (٣) فيه منفعة أخرى وكان الثمن في مقابلتها لم يدخل في هذا.

إذا تبين هذا فمعلوم أنه لو كان التحريم معلقًا بمجرد اللفظ وبظاهر من القول دون مراعاة المقصود للشيء (٤) المحرم ومعناهُ [وحقيقته لم يستحق اليهود] (٥) اللعنة لوجهين:

أحدهما: أن الشحم خرج بجَمْله (٦) عن أن يكون شحمًا، وصار وَدَكًا، كما يخرج الربا بالاحتيال فيه عن لفظ الربا إلى أن يصير بيعًا عند من يستحل ذلك (٧).

[[صورة محرمة من الربا بحيلة شراء سلعة وبيعها]]

فإنَّ مَنْ أراد أن يبيع مئة بمئة وعشرين إلى أجل فأعطى سلعة بالثمن المؤجل ثم اشتراها بالثمن الحالّ، ولا غرض لواحد منهما في السلعة (٨) بوجه ما، وإنما هي كما قال فقيه الأمة: دَرَاهم بدراهم ودخلت بينهما حَرِيرة (٩)؛ فلا فرق بين


(١) بدل ما بين المعقوفتين في "بيان الدليل": "قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث رواه أبو داود عن ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:. . . "
(٢) حديث ابن عباس، رواه أحمد (١/ ٢٤٧) و (٢٩٣) و (٣٢٢)، والبخاري في "التاريخ" تعليقًا (٢/ ٢٤٧)، وأبو داود (٣٤٨٨) في "البيوع" باب: ثمن الخمر والميتة، وابن حبان (٤٩٣٨)، والطبراني في "الكبير" (١٢٣٧٨)، و (١٢٨٨٧)، والبيهقي (٦/ ١٣ و ١٣ - ١٤) و (٩/ ٣٥٣) وإسناده صحيح.
ولم أجده في "مستدرك الحاكم"، كما ذكر المؤلف، وقد وجدت فيه حديثًا لكن من مسند أسامة بن زيد، وتقدم -قريبًا- في "الصحيحين" من حديث عمر وأبي هريرة.
(٣) في الأصول والمطبوع: "فإذا كان"، والمثبت من "بيان الدليل".
(٤) في "بيان الدليل": "دون رعاية لمعقود الشيء"! وفي (ق): "المقصود الشيء".
(٥) بدل ما بين المعقوفتين في الأصول: "وكيفيته لم يستحقوا"، والمثبت من "بيان الدليل".
(٦) "إذابته" (و).
(٧) انظر: "بيان الدليل" (ص ٩١ - ٩٢)، وبدل قوله الآتي: "فإن من أراد أن يبيع" إلى آخر الوجه الأول هذا في "بيان الدليل" هكذا: "فإن من أراد أن يعطي ألفًا بالف ومئة إلى أجل، فأعطاه "حريرة" بألف ومئة مؤجلة، ثم أخذها منه بألف حالة فإن معناه معنى من أعطى ألفًا بألف ومئة لا فرق بينهما من حيث الحقيقة والمقصود إلا ما بين الشحم والودك" اهـ.
(٨) في (و): "بالسلعة".
(٩) في (و): "جريرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>