للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفسدتين وإن وقع أدناهما (١)، وهكذا ما نحن فيه سواء؛ فإن مصلحة تمليك الرجالِ الطلاقَ أعلى وأكبَرُ من مصلحة سده عليهم، ومفسدةُ سدِّه عليهم أكبر من مفسدة فتحه لهم المُفْضِية إلى ما ذكرتم. وشرائع الرب سبحانه وتعالى كلها حِكمٌ ومصالح وعدل ورحمة، وإنما العبث والجور والشِّدة في خلافها، وباللَّه التوفيق.

وإنما أطلنا الكلام في هذه المسألة لأنها من أمهات الحيل وقواعدها، والمقصود بيان بطلان الحيل؛ فإنها (٢) لا تتمشَّى على قواعد الشريعة ولا أصول الأئمة، وكثير منها -بل أكثرها- من توليدات المنتسبين إلى الأئمة وتفريعهم، والأئمة بَرَاء منها.

[فصل [بطلان الحيلة بالخلع لفعل المحلوف عليه]]

ومن الحيل الباطلة الحيلة على التخلص من الحنث بالخُلْع، ثم يفعل المحلوف عليه في حال البينونة، ثم يعود إلى النكاح، وهذه الحيلة باطلة شرعًا، وباطلة على أصول أئمة الأمصار: أما بطلانها شرعًا فإن هذا خُلع لم يشرعه اللَّه ولا رسوله، وهو تعالى لم يمكِّن الزوج من فسخ النكاح متى شاء؛ فإنه لازمٌ، وإنما مكَّنه من الطلاق، ولم يجعل له فَسْخَه إلا عند التشاحن (٣) والتباغض إذا خافا أن لا يقيما حدود اللَّه، فشرع لهما التخلص بالافتداء؛ وبذلك جاءت السنة (٤)، ولم يقع في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا زمن أصحابه قط خلع حيلة، ولا في زمن التابعين، ولا تابعيهم، ولا نص عليه أحد من الأئمة الأربعة وجعله طريقًا للتخلص من الحنث، وهذا من كمال فقههم -رضي اللَّه عنهم-؛ فإن الخلع إنما جعله الشارع مقتضيًا للبينونة ليحصل مقصود المرأة من الافتداء من زوجها، وإنما يكون ذلك مقصودها إذا قصدت أن تفارقه على وجه لا يكون له عليها سبيل، فإذا حصل هذا ثم فعل المحلوف عليه وَقعَ وليست زوجته فلا يحنث، وهذا إنما حصل تبعًا


(١) انظر: "مفتاح دار السعادة" (ص ٣٤١) فإنه مهم، و (ص ٣٤٨)، و"الداء والدواء" (ص ٢٢٥ - ٢٢٦) و (ص ٣٠٩ - ٣١٠)، و"روضة المحبين" (ص ١٣٢)، و"الموافقات" (٣/ ٥٣) وتعليقي عليه.
(٢) في (ن) و (ق): "وإنها".
(٣) في المطبوع: "التشاجر".
(٤) في هذا حديث امرأة ثابت بن قيس: رواه البخاري (٥٢٧٣) (٥٢٧٧) في (الطلاق): باب الخلع وكيف الطلاق؟ من حديث ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>