للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمصلحة، وقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢]، وهذا يعمَّ الثَّمنَ والمُثمَن، وهذا هو الذي فهمه تُرجمانُ القرآن [من القرآن] (١) عبد اللَّه بن عبَّاس فقال: أشهد أن السلف المضمون في الذمة حلالٌ في كتابِ اللَّه، وقرأ هذه الآية (٢).

فثبت أن إباحة السلَم على وفق القياس والمصلحة، وشُرع على أكمل الوجوه وأعدلها، فشَرطَ فيه قبضَ الثمن في الحال، إذ لو تأخر لحصل شغل الذمتين (٣) بغير فائدة، ولهذا سُمِّي سلمًا لتسليم الثمن، فإذا أخَّر (٤) الثمن دخل في حكم الكالئ بالكالئ بل هو نفسه، وكثرت المُخاطرة، ودخلت المعاملة في حد الغرر، ولذلك منع الشارع أن يُشترطَ فيه كونه من حائط معين؛ لأنه قد يتخلَّف فيمتنع التسليم (٥).

والذين شرطوا أن يكون دائم الجنس غير منقطع قصدوا به إبعاده من الغرر بإمكان التسليم، لكن ضيَّقوا ما وَسَّع اللَّه، وشرطوا ما لم يشرطه، وخرجوا عن موجب القياس والمصلحة: أما القياس فإنه أحد العوضين، فلم يشترط دوامه ووجوده كالثمن، وأما المصلحة فإن في اشتراط ذلك تعطيل مصالح الناس، إذ الحاجة التي لأجلها شرع اللَّه ورسوله السلم (٦) الارتفاقُ من الجانبين، هذا يرتفقُ بتعجيل الثمن، وهذا يرتفقُ برخص المثمن، وهذا قد يكون في مُنقطعِ الجنس كما قد يكون في مُتَّصله فالذي جاءت به الشريعة أكمل شيء وأقومه بمصالح العباد.


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (رقم ٤٠٦٤)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (٢/ ٥٥٤ رقم ٢٩٤٨)، والحاكم (٢/ ٢٨٦)، والبيهقي (٦/ ١٨، ١٩) عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس عنه.
وإسناده حسن، أبو حسان الأعرج صدوق.
وأخرج ابن جرير (٣/ ١١٦)، وابن أبي حاتم (٢/ ٥٥٤٠ رقم ٢٩٤٧) عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس قال: "السلم في الحنطة كيل معلوم".
وانظر: "تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة" (١/ ١٥٩ - ١٦٠) للشيخ الدكتور عبد العزيز الحميدي.
(٣) في (ن): "الذمة".
(٤) في (ك) و (ق): "تأخّر".
(٥) في (ن): "السلم".
(٦) في (ن): "في السلم" وفي (ق): "شرع اللَّه ورسوله السلم لأجلها".

<<  <  ج: ص:  >  >>