للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عامًا لها على سبيل البَدَل، لكن ذلك لا يقتضي العموم للأفراد على سبيل الجمع (١)، وهو المطلق (٢) في قوله: "بع هذا الثوب" لا يقتضي الأمر ببيعه من زيد أو عمرو، ولا بكذا أو كذا، ولا بهذه السوق أو هذه؛ فإن اللفظ لا دلالة له على شيء [من شيء] (٣) من ذلك، إذا أتى بالمسمَّى حصل ممتثلًا من جهة وجود تلك الحقيقة، لا من جهة [وجود] (٤) تلك القيود، وهذا الأمر لا خلاف فيه، لكن بعض الناس يعتقد أن عدم الأمر بالقيود يستلزم عدم الإجزاء إذا أتى بها إِلا بقرينة وهو خطأ، والصواب أن القيود لا تنافي الأمر ولا تستلزمه، وإن كان لزوم بعضها لزومًا عقليًا ضرورة وقوع القدر المشترك في ضمنِ قيدٍ من تلك القيود، وإذا تبين هذا فليس في الحديث أمره أن يبيع التمر لبائع النوع الآخر ولا لغيره ولا بحلولٍ ولا بأجلٍ (٥) ولا بنقدِ البلد ولا غيره (٦) ولا بثمن المثل أو غيره، وكل هذه القيود خارجة عن مفهوم اللفظ، ولو زعم زاعمٌ أن اللفظ يعم هذا كله كان مبطلًا، لكن اللفظ لا يمنع الإجزاء إذا أتى بها، وإنما استفيد عدم الامتثال إذا بيع بدون ثمن المثل أو بثمن مؤجَّل أو بغير نقد البلد من العُرْفِ الذي ثبت للبيع المطلق، وكذلك ليس في اللفظ ما يدل على أنه يبيعه من البائع بعينه ولا غيره، كما ليس فيه ما يمنعه، بل كل واحد من الطرفين يحتاج إلى دليل خارج عن اللفظ المُطْلق؛ فما (٧) قام الدليل على إباحته أبيح فعله بالدليل الدال على جوازه لا بهذا اللفظ وما قام دليل على المنع منه لم يُعارَض دليلُ المنع بهذا اللفظ المطلق حتى يطلب الترجيح، بل يكون دليل المنع سالمًا عن المعارضة بهذا، فإن عورض بلفظ عام متناول لإباحته بوضع اللفظ له أو بدليل خاص صحت المعارضة؛ فتأمل هذا الموضع (٨) الذي كثيرًا ما يغلط فيه الناظر والمناظر، وباللَّه التوفيق.

وقد ظهر بهذا جواب مَنْ قال: "لو كان الابتياع من المشتري حرامًا لنهى


(١) انظر في الفرق بين المطلق والعام: "كشف الأسرار" (١/ ٣١٢ - وما بعده) و"المدخل إلى علم أصول الفقه" (١٩٢ وما بعدها) للدواليبي، و"المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي" (٥٧٣) للدريني، وتعليقي على "الخلافيات" (١/ ٤٩٤).
(٢) في هامش (ق): "لعله: كالمطلق".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).
(٥) في المطبوع: "ولا تأجيل".
(٦) في (ك) و (ق): "بغيره".
(٧) في (ك): "فيما".
(٨) كذا في (ك) و (ق)، وفي سائر الأصول: "الوضع".

<<  <  ج: ص:  >  >>