للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يقف عند رسومها وألفاظها، أو يكتفي بأصولها الكليّة، دون التعرض لتفصيلاتها وتفريعاتها، وحقائقها، ولا سيما تلك المسائل التي اشتهر انفراده بها تبعًا لشيخه ابن تيمية، فكما أنه أولاها بالتأصيل والتدليل، فإنه لم ينساها من التفصيل، إذ (التفصيل) هو ثمرة (التأصيل) الحاصل من (التدليل).

وهذا أمر ليس بمستغرب، إذ قد حذّر المصنفُ من إطلاق الجواب دون تفصيل، فقال:

"ليس للمفتي أن يطلق الجواب في مسألة فيها تفصيل إلا إذا علم أن السائل إنما سأل عن أحد تلك الأنواع، بل إذا كانت المسألة تحتاج إلى تفصيل استفصله. . . " (١).

ثم ذكر ضرورة مراعاة هذا، بأن دلل على كلامه، ثم بيَّن أن المفتي إن لم ينتبه لهذا المسلك ويعمل به، فإنه يَضلّ ويُضلّ، قال:

"والمقصود التّنبيه على وجوب التفصيل إذا كان السّؤال محتملًا، وباللَّه التّوفيق، فكثيرًا ما يقع غلط المفتي في هذا القسم، فالمفتي ترد إليه المسائل في قوالب متنوّعة جدًّا، فإن لم يتفطّن لحقيقة السّؤال وإلّا هلك وأهلك، فتارة تورد عليه المسألتان صورتهما واحدة وحكمهما مختلف؛ فصورة الصَّحيح والجائز صورة الباطل والمحرَّم ويختلفان بالحقيقة، فيذهل بالصّورة عن الحقيقة، فيجمع بين ما فرَّق اللَّه ورسوله بينه، وتارة تورد عليه المسألتان صورتهما مختلفة وحقيقتهما واحدة وحكمهما واحد، فيذهل باختلاف الصّورة عن تساويهما في الحقيقة، فيفرّق بين ما جمع اللَّه بينه، وتارة تورد عليه المسألة مجملة تحتها عدة أنواع، فيذهب وهمه إلى واحد منها، ويذهل عن المسؤول عنه منها، فيجيب بغير الصَّواب، وتارة تورد عليه المسألة الباطلة في دين اللَّه في قالب مزخرف ولفظ حسن، فيتبادر إلى تسويغها وهي من أبطل الباطل، وتارة بالعكس" (٢).

وضرب على ذلك أمثلة، منها قوله رحمه اللَّه:

"فإذا سئل المفتي عن رجل دفع ثوبه إلى قصَّار يقصره، فأنكر القصّار الثّوب ثمّ أقرّ به، هل يستحق الأجرة على القِصَارة أم لا؟ فالجواب بالإطلاق خطأ نفيًا وإثباتًا، والصّواب التّفصيل، فإن كان قصَّره قبل الجحود فله أجرة القصارة؛ لأنه قصَّره لصاحبه، وإن كان قصَّره بعد جحوده فلا أجرة له لأنه قصَّره لنفسه.


(١) "إعلام الموقعين" (٥/ ٩١).
(٢) "إعلام الموقعين" (٥/ ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>