للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على ذلك أن هذه الصورة لا تدخل في أمر الرجل لعبده وولده ووكيله أن يشتري له كذا، فلو قال: "بع هذه الحنطة العتيقة واشْتَرِ لنا جديدة" لم يفهم السامع إِلا بيعًا مقصودًا، وشراءً (١) مقصودًا، فثبت أن الحديث ليس فيه إشعار بالحيلة الربوية البتة.

يوضحه أن قوله: "بع كذا، واشتر كذا" أو "بعت، واشتريت" لا يفهم [منه] (٢) إِلا البيع الذي يُقْصَد به نَقلُ ملك المبيع نقلًا مستقرًا؛ ولهذا لا يفهم منه بيع الهازل ولا المكرِه، ولا بيع الحيلة، ولا بيع العِينَةِ، ولا يعدُّ الناسُ من اتخذ خرزةً أو عرضًا يحلل به الرِّبا ويبيعه ويشتريه صورة خالية عن حقيقة البيع ومقصوده تاجرًا، وإنما يسمونه مرابيًا ومتحيلًا، فكيف يدخل هذا تحت لفظ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟

يزيدهُ إيضاحًا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من باع بيعتين في بيعة فله أوْكسُهُما أو الربا" (٣) و"نهى عن بيعتين في بيعة" (٤)، ومعلومٌ أنهما متى تواطَئَا على أن يبيعه بالثمن ثم يبتاع به منه فهو بيعتان في بيعة، فلا يكون ما نهى عنه داخلًا تحت ما أذن فيه (٥).

يوضحه أيضًا أنه قال: "لا يحل سَلَفٌ وبيع، ولا شَرْطان في بيع" (٦) وتواطؤهما على أن يبيعه السلعة بثمن ثم يشتري منه غيرها بذلك الثمن منطبق على لفظ الحديث؛ فلا يدخل ما أخبر أنه لا يحل تحت ما أذن فيه.

يوضحه أيضًا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا" (٧) وهذا يقتضي بيعًا ينشئه ويبتدئه بعد انقضاء البيع الأول، ومتى واطأه في أول الأمر على أن أبيعك وأبتاع منك فقد اتفقا على العقدين معًا؛ فلا يكون الثاني عقدًا مستقلًا مبتدأ، بل هو من تتمّة العقد الأول عندهما وفي اتفاقهما، وظاهرُ الحديثِ أنه أمر بعقدين مستقلين لا يرتبط أحدهما بالآخر ولا ينبني عليه.


(١) في المطبوع و (ك): "أو شراء".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) قال في (د) و (ط): "في نسخة: "داخلًا فيما أذن فيه" (انظر: "إعلام الموقعين" ط المنيرية ج ٣ ص ١٩٧) ". وما بين المعقوفتين زيادة (ط) على (د)، والنسخ المشار إليها هي (ن) و (ك) و (ق).
(٦) سبق تخريجه.
(٧) الحديث سبق تخريجه قريبًا، وفي (د) و (ط) و (ح): "بع الجميع"!!

<<  <  ج: ص:  >  >>