للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وفي بُضْع أحَدكم صدقة، قالوا: يا رسول اللَّه يأتي أحَدُنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضَعَها في حرام أكان يكن (١) عليه وِزْر؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له أجر" (٢) وهذا من قياس العكس الجَليّ البيّن (٣)، وهو إثبات نقيض حكم الأصل في الفرع لثبوت ضد علته فيه، ومنه الحديث الصحيح: "أن أعرابيًا أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: إن امرأتي وَلَدَتْ غلامًا أسْوَدَ، وإني أنكَرْتُه، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هل لَكَ من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حُمْر، قال: هل فيها من أوْرَقَ؟ قال: إن فيها لوُرْقًا، قال: فأنَّى ترى ذلك جاءها؟ قال: يا رسول اللَّه عِرْق نَزَعه، قال: ولعلَّ هذا عرق نزعه" (٤)، ولم يرخَّصْ له في الانتفاء منه، ومن تراجم البخاري على هذا الحديث "باب مَنْ شَبَّه أصلًا معلومًا بأصل مُبين قد بَيِّن اللَّه حكمهما ليفهم السائل" ثم ذكر بعده حديث ابن عباس: "أن امرأة جاءت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إن أمي نَذَرَتْ أن تحجَّ فماتت قبل أن تحج، أفأحجُّ عنها؟ قال: نَعَمْ حُجي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنتِ قاضيتَهُ؟ قالت: نعم، فقال: اقضوا اللَّه [فإن اللَّه] (٥) أحقُّ بالوفاء" (٦).


= (الأيمان والنذور): باب من مات وعليه نذر، و (٧٣١٥) في (الاعتصام): باب من شبه أصلًا معلومًا بأصل مُبَيَّن، من حديث ابن عباس.
ولفظ الحديث في الموطن الأول والثالث: "فإن اللَّه أحق بالوفاء".
(١) في (ق): "يكون".
(٢) أخرجه مسلم في "الصحيح" (كتاب الزكاة) باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، (٢/ ٦٩٧/ رقم ١٠٠٦) من حديث أبي ذر.
ووقع في (ك): "قال نعم، قال أرأيتم".
وفي الحديث ثبتَ -عليه الصلاة والسلام- الأجر لوضع الشهوة في حلال مقارنًا له على وجه التمثيل بثبوت الوزر بوضعها في حرام، وهذا ما يسميه الأصوليون قياس العكس، وهو الاستدلال بنقيض العلة على الحكم، والتحقيق أنه بطريق أضعف من قياس الشبه؛ فلا يستقل بتفصيل الحكم، ومن الجائز أن يكون ثبوت الأجر لوضع الشهوة في الحلال متلقى من طريق الوحي، وتكون مقارنته بوضعها في حرام، واردة لغرض آخر كتقريب المعنى إلى فهم المخاطب، لا للتنبيه على دخول هذا النوع في المقاييس المعتد بها في أصول الأحكام.
(٣) في (ق): "المبين".
(٤) رواه البخاري (٥٣٠٥) في (الطلاق): باب إذا عَرَّض بنفي الولد، و (٦٨٤٧) في (الحدود): باب ما جاء في التعريض، و (٧٣١٤) في (الاعتصام): باب من شَبَّه أصلًا معلومًا بأصل مبين، ومسلم (١٥٠٠) في (اللعان)، من حديث أبي هريرة.
(٥) بدلها في (ق): "فاللَّه".
(٦) رواه البخاري (١٨٥٢) في (جزاء الصيد): باب الحج والنذور عن الميت، و (٦٦٩٩) في =

<<  <  ج: ص:  >  >>