للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن الحسن: يجوز للعالم تقليد من هو أعلم منه، ولا يجوز له تقليد من هو مثله (١).

وقد صرح الشافعي بالتقليد فقال: في الضلع (٢) بعير، قلته تقليدًا لعمر. وقال في مسألة بيع الحيوان بالبراءة من العيوب: قلته تقليدًا لعثمان. وقال في مسألة الجد مع الإخوة: إنه يقاسمهم، ثم قال: وإنما قلت يقول زيد، وعنه قبلنا أكثر الفرائض. وقد قال في موضع آخر من كتابه الجديد: قلته تقليدًا لعطاء.

وهذا أبو حنيفة رحمه اللَّه في (٣) مسائل الآبار (٤) ليس معه فيها إلا تقليد من تقدَّمه من التابعين فيها. وهذا مالك لا يخرج عن عمل أهل المدينة، ويصرِّح في "موطئه" بأنه أدرك العمل على هذا، وهذا (٥) الذي عليه أهل العلم ببلدنا. ويقول في غير موضع: ما رأيت أحدًا أَقتدي به يفعله. ولو جمعنا ذلك من كلامه لطال.

وقد قال الشافعي في الصحابة: رأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا [ونحن نقول ونصدق أن رأي الشافعي والأئمة معه لنا خير من رأينا لأنفسنا] (٦).

وقد جعل اللَّه سبحانه في فطر العباد تقليد المتعلمين للأستاذين والمعلمين، ولا تقوم مصالح الخلق إلا بهذا، وهذا (٧) عام في كل علم وصناعة، وقد فاوت اللَّه سبحانه بين قوى الأذهان كما فاوت (٨) بين قوى الأبدان، فلا يحسن في حكمته وعدله ورحمته أن يفرض على جميع خلقه معرفة الحق بدليله والجواب عن معارضه في جميع مسائل الدين دقيقها وجليلها؛ ولو كان كذلك لتساوت أقدام الخلائق في كونهم علماء، بل جعل سبحانه هذا عالمًا، وهذا متعلمًا، وهذا متبعًا للعالم مؤتمًا به، بمنزلة المأموم مع الإِمام والتابع مع المتبوع، وأين حَرَّم اللَّه تعالى على الجاهل أن يكون متبعًا للعالم مؤتمًا به مقلدًا له يسير بسيره وينزل بنزوله؟ وقد علم اللَّه سبحانه أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق، فهل فرض على كل منهم فرض عين أن يأخذ حكم نازلته من الأدلة الشرعية بشروطها ولوازمها؟ وهل ذلك في إمكان [أحد] (٩) فضلًا عن كونه مشروعًا؟ وهؤلاء أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتحوا البلاد، وكان الحديث العهد بالإِسلام يسألهم


(١) نقل مذهبه أبو يعلى في "العدة" (٤/ ١٢٣١) وصاحب "مسلم الثبوت" (٢/ ٢٩٣).
(٢) في المطبوع: "الضبع"!.
(٣) في المطبوع: "قال في ".
(٤) في (ق) و (ك): "الآثار".
(٥) في المطبوع: "وهو".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٧) في المطبوع: "وذلك".
(٨) في (ك): "فارق".
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>