للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبينه أن قوله: إن شاء اللَّه لا يريد به إن شاء اللَّه طلاقًا (١) ماضيًا قطعًا بل إما أن يريد به هذا الطلاق الذي تلفَّظ به، أو طلاقًا مستقبلًا غيره، فلا (٢) يصح أن يراد به هذا الملفوظ، فإنه لا يصح تعليقه بالشرط، إذ الشرط إنما يؤثر في الاستقبال، فحقيقةُ هذا التعليق: أنت طالق إن شاء اللَّه طلاقَكِ في المستقبل، ولو صرح بهذا لم تطلق حتى ينشئ لها طلاقًا آخر.

ونقرره (٣) بلفظ آخر فنقول: علَّقه بمشيئة مَنْ له مشيئة صحيحة معتبرة، فهو أولى بالصحة من تعليقه بمشيئة آحاد الناس، يبيّنه أنه لو علَّقه بمشيئة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياته لم يقع في الحال، ومعلوم أن ما شاءه اللَّه (٤) فقد شاءه رسوله، فلو (٥) كان التعليق بمشيئة اللَّه موجبًا للوقوع في الحال؛ لكان التعليق بمشيئة رسوله في حياته كذلك، وبهذا يبطل ما عوَّلتم عليه.

وأما قولُكم: "إن اللَّه تعالى قد شاء الطلاق حين تكلّم به المكلّف (٦) " فنعم إذا؛ لكن شاء الطلاق المُطْلَق أو المعلّق؟ ومعلوم أنه لم يقع منه طلاق مُطْلَق، بل الواقع منه طلاق معلَّق على شرط، فمشيئة اللَّه [سبحانه له] (٧) لا تكون مشيئة للطلاق المُطْلَق، فإذا طلَّقها بعد هذا علمنا أن الشرط قد وجد، وأن اللَّه قد شاء طلاقها فطلقت.

وعند هذا فنقول: لو شاء اللَّه أن يطلق (٨) العبد لأنطقه بالطلاق مطلقًا من غير تعليق ولا استثناء، فلما أنطقه به مقيَّدًا بالتعليق والاستثناء، علمنا أنه لم يشأ له الطلاق المنجز، فإن ما شاء اللَّه كان، وما لم يشأ لم يكن.

ومما يوضح هذا الأمر أن مشيئة اللفظ لا تكون مشيئة الحكم حتى يكون اللفظ صالحًا للحكم، ولهذا لو تلفظ المكره أو زائلُ العقل أو الصبي أو المجنون بالطلاق، فقد شاء اللَّه منهم وقوع اللفظ، ولم يشأ وقوع الحكم، فإنه لم يرتب على ألفاظ هؤلاء أحكامها لعدم إرادتهم لأحكامها فهكذا المعلِّقُ طلاقَه بمشيئة اللَّه يريد (٩) أن لا يقع طلاقه، وإن كان اللَّه قد شاء [له] (١٠) التلفظ بالطلاق، وهذا في غاية الظهور لمن أنصف.


(١) في المطبوع: "طلاقها".
(٢) في (ق): "ولا".
(٣) في (ق): "ويفرده".
(٤) في (ق): "ما شاء اللَّه".
(٥) في (ق): "ولو".
(٦) في المطبوع: "تكلم المكلف به".
(٧) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "تعالى".
(٨) في المطبوع: "يُنْطق".
(٩) في (ك) و (ق): "مريد".
(١٠) ما بين المعقوفتين من (ك) و (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>