للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شق عليه غاية المشقّة، ولا سيما مع بعد المسافة، وإن كلف المرتهن بيع اللبن وحفظ ثمنه للراهن شق عليه؛ فكان مُقتضى العَدْل والقياس ومصلحة الراهن والمُرْتَهِن والحيوان أن يستوفيَ المُرتهن منفعة الركوب والحلب ويعوض عنهما بالنفقة (١)، ففي هذا جمع بين المصلحتين، وتوفير الحقَّين (٢)، فإن نفقة الحيوان واجبة على صاحبه، والمرتهن إذا أنفق عليه أدّى عنه واجبًا، وله فيه حق، فله أن يرجعَ ببدَلِه، ومنفعةُ الركوب والحلب تصلح أن تكون بدلًا، فأخْذُها خيرٌ من أن تُهدَر (٣) على صاحبها باطلًا ويُلزم بعوض ما أنفق المُرتهن، وإن قيل للمُرتهن؛ "لا رجوع لك" كان في ذلك إضرارٌ (٤) به، ولم تسمح نفسه بالنفقة على الحيوان، فكان ما جاءت به الشريعة هو الغاية التي ما فوقها في العدل والحكمة والمصلحة شيء يُختار.

فإن قيل: ففي هذا أن منْ أدّى عن غيره واجبًا فإنه يرجع ببدله، وهذا خلاف القياس؛ فإنه إلزام له بما لم يلتزمه، ومعاوضة لم يرض بها.

وقيل (٥): وهذا أيضًا محض القياس (٦) والعدل والمصلحة، وموجب الكتاب، ومذهبُ أهلِ المدينة وفقهاءِ الحديث، أهلِ بلدته وأهلِ سنته، فلو أَدَّى عنه دينَه (٧) أو أنفق على مَنْ تلزمه نفقته أو افْتَداه من الأسر ولم ينو التبرُّع فله الرجوع، وبعض أصحاب أحمد فرَّقَ بين قضاء الدين ونفقة القريب؛ فجوَّز الرجوع في الدين دون نفقة القريب، قال: لأنها لا تصير دينًا (٨)؟

قال شيخنا (٩): والصواب التسوية بين الجميع، والمحققون من أصحابه ساووا بينهما (١٠)، ولو افتداه من الأسر كان له مطالبتُه بالفِداء، وليس ذلك دَيْنًا عليه، والقرآن يدل على هذا القول، فإن اللَّه تعالى قالَ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ


(١) في (ن): "ويعوض ثمنها".
(٢) في (ق): "للحقين".
(٣) في (ق): "تذهب".
(٤) في (ق): "كان فيه إضرار".
(٥) في (ق): "قيل".
(٦) في (ن): "محض الكتاب".
(٧) في (ق) و (ك): "دينًا".
(٨) انظر المسألة بتفصيلها في "القواعد" لابن رجب (١/ ٥٢٣ - بتحقيقي).
(٩) "هو شيخ الإسلام ابن تيمية" (و).
قلت: الكلام بطوله مع تصرف يسير جدًا في "مجموع الفتاوى" (٢٠/ ٥٦٠ - ٥٦١)، وانظر: "المعدول به عن القياس" (ص ١٣٢ - ١٣٤).
(١٠) انظر مبحث: "من أدى عن غيره واجبًا" لابن القيم في "الطرق الحكيمة" (ص ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>