للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف الناس في هذه المسألة؛ فذهب إلى قضاء عمر هذا عبدُ اللَّه بْنُ الزبير وشُرَيحٌ وإبراهيم النَّخعيُّ والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق (١)، وقال بعض الفقهاء: القياس أنه ليس على الأعمى ضمانُ البصير؛ لأنه الذي قَادَه إلى المكان الذي وقعا فيه وكان سببَ وقوعه عليه، وكذلك (٢) لو فعله قصدًا منه لم يضمنه بغير خلاف وكان عليه ضمانُ الأعمى، ولو لم يكن سببًا لم يلزمه ضمانُه بقصده، قال أبو محمد المقدسي في "المغني" (٣): لو قيل هذا لكان له وجه، إلا أن يكون مُجْمعًا عليه فلا يجوز مخالفة الإجماع.

والقياس حكم عمر -رضي اللَّه عنه-، لوجوه:

أحدها: أن قوْده له مأذونٌ فيه من جهة الأعمى، وما تولَّد من مأْذونٍ فيه لم يُضمن كنظائره.

الثاني: (٤) قد يكون قوْدُه له مستحبًا أو واجبًا، ومن فعل ما وجب عليه أو نُدِب إليه لم يلزمه ضمان ما تولَّد منه.

الثالث: أنه قد اجتمع على ذلك الإذْنان: إذن الشارع وإذن الأعمى، فهو مُحْسن بامتثاله أمر الشارع محسن إلى الأعمى بقوْدِه له، و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] وأما الأعمى فإنه سقط على البصير فقتله، فوجب عليه ضمانُه، كما لو سقط إنسان من سطح [على آخر] (٥) فقتله، فهذا هو القياس.

وقولهم: "هو الذي قاده إلى المكان الذي وقعا فيه" فهذا لا يوجب الضمان (٦)؛ لأن قوْده ماذون فيه من جهته ومن جهة الشارع، وقولهم: "وكذلك (٢) لو فعله قصدًا لم يضمنه" فصحيحٌ لأنه مسيءٌ وغيرُ مأذونٍ له في ذلك، لا من جهة الأعمى ولا من جهة الشارع، فالقياس المحْض قول عمر، وباللَّه التوفيق.


= "سننه" (٣/ ٩٨ - ٩٩)، ومن طريقه البيهقي (٨/ ١١٢) من طريق عُليّ بن رباح عن عمر.
قال ابن حجر في "التخليص" (٣/ ٣٧): فيه انقطاع، وقال ابن حزم: الرواية عن عمر لا تصح في أمر الأعمى, لأنه عن علي بن رباح والليث، وكلاهما لم يدرك عمر أصلًا.
وانظر تعليقي على "سنن الدارقطني" (رقم ٣١١١).
(١) انظر: "المغني" (٨/ ٣٢٨ - ٣٢٩)، أو (٧/ ٨١٩ مع "الشرح الكبير").
(٢) في (ق): "ولذلك".
(٣) (٨/ ٣٢٨ - ٣٢٩/ ٦٨٦٨).
(٤) زاد هنا في (ك) و (ق): "إنه".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(٦) كذا في (ق) واحتمل في الهامش "عدم" قبل "الضمان".

<<  <  ج: ص:  >  >>