للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صار المشتري دخيلًا، والشريكُ أصيل، فرُجِّح جانبه وثبت له الاستحقاق.

قالوا: وكما أن الشارع يقصد رفع الضرر عن الجار فهو أيضًا يقصد رفع الضرر عن المشتري، ولا يزيل ضرر الجار بإدخال الضرر على المشتري؛ فإنه محتاج إلى دار يسكنها هو وعياله، فإذا سُلِّط الجار على إخراجه وانتزاع داره منه أضر به إضرارًا بينًا، وأي دار اشتراها وله جار فحاله معه هكذا، وتطلُّبه دارًا لا جار لها كالمتعذر عليه أو كالمتعسر (١)؛ فكان من تمام حكمة الشارع أن أسقط الشفعة بوقوع الحدود وتصريف الطرق؛ لئلا يضر الناس بعضهم بعضًا، ويتعذر على من أراد شراء دار لها جار أن يتم له مقصوده، وهذا بخلاف الشريك، فإن المشتري لا يمكنه الانتفاع بالحصة التي اشتراها، والشريك يمكنه ذلك بانضمامها إلى ملكه، فليس على المشتري ضرر في انتزاعها منه وإعطائه ما اشتراها به.

قالوا: وحينئذ فتعين (٢) حمل أحاديث شفعة الجوار على مثل ما دلت عليه أحاديث شفعة الشركة؛ فيكون لفظ [الجار فيها] (٣) مرادًا به الشريك، ووجه هذا الإطلاق المعنى والاستعمال، أما المعنى فإن كل جزء من ملك الشريك مجاور لملك صاحبه، فهما جاران حقيقة، وأما الاستعمال فإنهما خليطان متجاوران، ولذا سميت الزوجة جارة كما قال الأعشى:

أجارتنا بِيني فإنك طالقه (٤)

فتسمية الشريك جارًا أولى وأحرى، وقال حَمَل بن مالك: "كنت بين جارتين لي" (٥) [ومثل] (٦) هذا إن لم يحتمل إلا إثبات الشفعة، [فأما إن] (٧) كان


(١) في (ك) و (ق): "المتعسر".
(٢) في (ق): "يتعين".
(٣) بدل ما بين المعقوفتين في (ن) و (ك): "الجوار".
(٤) انظر: "ديوان الأعشى الكبير" (ص ٣١٣ ط: د. محمد محمد حسين). ولفظه فيه:
يا جارتي بيني فإنك طالقه ... كذاك أمور الناس غادٍ وطارقه
(٥) قطعة من حديث طويل، أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في "المسند" (٢/ ١٠٣ - ١٠٤)، ومن طريقه البيهقي (٨/ ١١٤) -وتتمته: "يعني: ضرتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنينًا ميتا. . ." وفيه دية الجنين.
وأخرجه الدارمي (٢٣٨٦)، وأحمد (١/ ٣٦٤ و ٤/ ٧٩)، وأبو داود (٤٥٧٢)، والنسائي (٨/ ٢١)، وابن ماجه (٢٦٤١)، وابن الجارود (٧٧٩)، وابن حبان (٦٠٢١)، والدارقطني (٣/ ١١٧)، والبيهقي (٨/ ١١٤). وهو صحيح.
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (د) وفي (ك): "مثل".
(٧) بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "وأما إذا"، وفي (ق): "وأما أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>