كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

ذكر تحريم الإفتاء في دين الله بغير علم وذكر الإجماع على ذلك - [أنواع ما يحرم القول به] - ج: 3 - ص: 449

بعينه عيارًا (١) على كلام اللَّه وكلام رسوله وكلام سائر الأمة، يقدّمه على ذلك كله، ويَعْرض كتابَ اللَّه (٢) وسنة رسوله وإِجماع الأمة على قوله فما وافقه منها قَبِلَه لموافقته لقوله وما خالفه منها تلطَّف في رده وطلب (٣) له وجوه الحيل، فإن لم تكن هذه وليجة فلا ندري ما الوليجة! وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (٦٦) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: ٦٦ - ٦٧] وهذا نصٌّ في بطلان التقليد.

فإن قيل: إنما فيه ذم من قلد من أضله السبيل، أما من هداه السبيل فأين ذم اللَّه تقليده؟

قيل: جواب [هذا] (٤) السؤال في نفس السؤال، فإنه لا يكون العبد مهديًا (٥) حتى يتبع ما أنزل اللَّه على رسوله؛ فهذا المقلد إن كان يعرف ما أنزل اللَّه على رسوله فهو مهتد، وليس بمقلد، وإن لم يعرف (٦) ما أنزل اللَّه على رسوله فهو جاهلٌ ضالٌ بإقراره على نفسه، فمن أين يعرف أنه على هدًى في تقليده؟ وهذا جواب كل سؤال يوردونه في هذا الباب وأنهم إنما يقلدون (٧) أهل الهدى فهم في تقليدهم على هدى.

فإن قيل: فأنتم تُقِرُّون (٨) أن الأئمة المقلدين في الدِّين على هدى، فمقلِّدوهم على هدى قطعًا؛ لأنهم سالكون خلفهم.

قيل: سلوكُهُم خلفهم مبطلٌ لتقليدهم لهم قطعًا؛ فإن طريقتَهم كانت اتباع الحجة والنهي عن تقليدهم كما سنذكره عنهم إن شاء اللَّه تعالى، فمن ترك الحجة وارتكب ما نَهوا عنه ونهى اللَّه ورسوله عنه قبْلهم فليس على طريقتهم وهو من المخالفين لهم، وإنما يكون على طريقتهم من اتَّبع الحجة، وانقاد للدليل، ولم يتخذ رجلًا بعينه سوى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يجعله مختارًا على الكتاب والسنة يعرضها (٩)

---

(١) كذا في (ق) و"الإحكام" (٦/ ١٢٤) لابن حزم -ومنه ينقل المصنف- وفي جميع النسخ المطبوعة: "مختارًا"!! وفي هامش (ق): "معيارًا".
(٢) في (ن) و (ك): "كلام اللَّه" وبعدها في (ك) و (ق): "وكلام رسوله".
(٣) في المطبوع: "تطلب"، وأشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة هكذا.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٥) في المطبوع: "مهتديا".
(٦) في المطبوع: "وإن كان لم يعرف".
(٧) في المطبوع: "وأنهم إن كانوا إنما يقلدون".
(٨) في (ك): "مقرّون".
(٩) في (ن): "يعرفها"، وفي (ك) و (ق): "يعرضهما".