للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فما معنى الحديث؟

قيل: معناه أن معاذًا فعل فعلًا جعله اللَّه لكم سنة، وإنما صار سنة لنا حين أمر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، لا لأن معاذًا فعله فقط، وقد صح عن معاذ أنه قال: كيف تصنعون بثلاث: دنيا تقطعُ أعناقَكُم، وزلَّةِ عالم، وجدالِ منافق بالقرآن؛ فأما العالم فإن اهتدى فلا تقلِّدوه دينكم وإن افتتن فلا تقطعوا منه إياسكم فإن المؤمن يفتتن (١) ثم يتوب، وأما القرآن فإن له منارًا كمنار الطريق لا يخفى على أحد؛ فما عَلِمتم منه فلا تسألوا عنه أحدًا، وما لم تعلموه فكِلوه إلى عالمه، وأما الدنيا فمن جعل اللَّه غِناه في قلبه فقد أفلح ومن لا فليست بنافعته دنياه (٢)، فصدع -رضي اللَّه عنه- بالحق، ونهى عن التقليد في كل شيء، وأمر باتباع ظاهر القرآن، وأن لا يُبالي بمن خالف فيه، وأمر بالتوقف فيما أشكل، وهذا كله خلاف طريقة المقلدين، وباللَّه التوفيق.


= طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد بن عبد ربه عن أبيه عبد اللَّه بن زيد.
رواه من هذا الطريق: أحمد (٤/ ٤٣)، والدارمي (١/ ٢٦٨ و ٢٦٩)، والبخاري في "خلق أفعال العباد" (١٨٠ و ١٨١)، وأبو داود (٤٩٩) في (الصلاة): باب كيف الأذان، والترمذي (١٨٩) مختصرًا، وابن ماجه (٧٠٦) في (الأذان): باب بدء الأذان، وابن الجارود (١٥٨)، وابن حبان (١٦٧٩)، وابن خزيمة (٣٧١)، والدارقطني (١/ ٣٤١)، والبيهقي (١/ ٣٩٠ - ٣٩١ و ٤١٥).
قال الترمذي: حسن صحيح، وقال ابن خزيمة: سمعت محمد بن يحيى (الذهلي) يقول: ليس في أخبار عبد اللَّه بن زيد في قصة الأذان خبرٌ أصح من هذا لأن محمد بن عبد اللَّه بن زيد سمعه من أبيه.
وقال ابن خزيمة: وخبر عبد اللَّه بن زيد ثابت صحيح من جهة النقل.
وقد صححه أيضًا البخاري فيما نقله عنه الترمذي في "العلل الكبير"، وانظر: "تنقيح التحقيق" (١/ ٧٠٦، ٧٠٧)، "التلخيص الحبير" (١/ ٢٠٩)، "نصب الراية" (١/ ٢٧٩ - ٢٨٠)، "الإشراف" (١/ ٢٣٣) للقاضي عبد الوهاب وتعليقي عليه.
أقول: ونحن إنما نخشى من تدليس ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع، وقد جاء في هذا الحديث: "فلما خَبَّرتُها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إنها لرؤيا حق إن شاء اللَّه فقم مع بلال فالقها عليه؛ فإنه أندى صوتًا. فلما أذّن بها بلال سمع بها عمر بن الخطاب فخرج إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجر رداءه وهو يقول: يا نبي اللَّه والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثلما رأى! فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: فللَّه الحمد.
فذاك أثبت، وهذا يتوافق مع توجيه المصنف له.
(١) في (ك) و (ق): "يفتن".
(٢) مضى تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>