للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأثر البالغ في "تكوين اتجاهه، وتغذية مواهبه، وإشباع نهمته بعلوم الكتاب والسنة، والرد إلى اللَّه والرسول، حتى صار أبرع تلاميذه، وألمعهم نجمًا، وأجلاهم اسمًا، فلا يكاد يُذَكر الشيخ ابن تيمية إلا ويذكر معه تلميذه ابن قيم الجوزية، وسرى نور هذين العلمين في آفاق المعمورة، بسعة العلم، وأصالة الفكر، والتجديد في دعوة الناس إلى صراط اللَّه المستقيم" (١).

وكانت مدة ملازمة ابن القيم لشيخه ستة عشر عامًا (٢)، منذ سنة (٧١٢ هـ) -وهي السنة التي عاد فيها ابن تيمية من مصر إلى دمشق- إلى سنة (٧٢٨ هـ)، سنة وفاة ابن تيمية.

وفي هذه المدة أخذ التلميذ من الشيخ علمًا جمًّا، وتأثّر بسَمْتِه وهديه، واستمع إلى نصائحه وتوجيهاته (٣)، وعُرف به، وامتحن وأوذي مرات بسبب ذلك (٤).

وكان ابن القيم بارًا بشيخه، كثير الترداد لاسمه، والثناء عليه، وذكر اختياراته (٥)، ولعل ذلك لم يقع في كتاب من كتبه كما وقع في كتابنا هذا.

وهذه طاقة مهمة من النقولات من خلال جولة سريعة في كتابنا هذا فحسب؛ تدلّل على مدى تأثر المصنف بشيخه، وأنه تَصْدُق فيه مقولة ابن حجر: "غلب عليه حب ابن تيمية، حتى لا يخرج عن شيء من أقواله، بل ينتصر له في جميع ذلك، وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه" (٦) ومقولة الذهبي: "تفقه بشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، وكان من عيون أصحابه" (٧)، ومقولة صلاح الدين


(١) "ابن قيم الجوزية، حياته وآثاره" (ص ٧٨) للشيخ بكر أبو زيد.
(٢) خلافًا لما ذكره الشيخ صبحي الصالح رحمه اللَّه في تقديمه لـ"أحكام أهل الذمة" (١/ ٦٧) أن مدة ملازمته له زهاء أربعين سنة، نعم منذ اتصاله بابن تيمية سنة (٧١٢ هـ) إلى وفاة ابن القيم سنة (٧٥١ هـ)، زهاء الأربعين، أما مدة التلمذة والتلقي فهي كما قررنا.
(٣) تجد طرفًا منها في "الهدية في مواعظ الإمام ابن تيمية" (ص ٢١ - ٢٦) وفيما سيأتي برقم (خامسًا).
(٤) انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (٢/ ٤٤٨)، "أعيان العصر" (٤/ ٣٦٨)، "الدرر الكامنة" (٤/ ٢١)، "النجوم الزاهرة" (١٠/ ١٩٥).
(٥) تجد هذه الاختيارات في (الإحالات) تحت هذا العنوان، وكذا في (فهرس الأعلام) في المجلد الأخير، وتجد في نقولات العلماء الآتية عند بيان أثر الكتاب فيما بعده الارتباط الوثيق بين ذكر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في نقلها عنهما الآراء والأقوال والترجيحات.
(٦) "الدرر الكامنة" (٤/ ٢١) ومثله في "البدر الطالع" (٢/ ١٤٣) و"أبجد العلوم" (٣/ ١٣٩).
(٧) "ذيول العبر" (٤/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>