للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل المدينة المستمرّ على مَنْ أَدَّاه إليهم من بها من الصحابة، والعمل إنما استند (١) إلى قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وفعله؟ فكيف يكون قوله وفعله الذي أدَّاه من بالمدينة موجبًا للعمل دون قوله وفعله الذي أدَّاه غيرهم؟ هذا إذا كان النص مع عمل أهل المدينة، فكيف إذا كان مع غيرهم النص، وليس معهم نصٌّ يعارضه، وليس معهم إلّا مجرد العمل؟ ومن المعلوم أن العمل لا يُقابل النص، بل يُقابَل العمل بالعمل، ويسلم النص عن المعارض.

وأيضًا فنقول: هل يجوز أن يخفى على أهل المدينة بعد مفارقة جمهور الصحابة لها سنة من سنن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ويكون علمها عند مَنْ فارقها أم لا؟ فإن قلتم: "لا يجوز"، أبطلتم أكثر السنن التي لم يروها أهل المدينة، وإن كانت من رواية إبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه، ومن رواية أهل بيت علي عنه، ومن رواية أصحاب معاذ عنه، ومن رواية أصحاب أبي موسى عنه، ومن رواية (٢) عمرو بن العاص، وابنه عبد اللَّه، وأبي الدرداء، ومعاوية، وأنس بن مالك، وعمار بن ياسر وأضعاف هؤلاء، وهذا مما لا سيل إليه.

وإن قلتم: "يجوز أن يخفى على من بقي في المدينة بعض السُّنن ويكون علمها عند غيرهم"، فكيف تُترك السنن لعمل مَن قد اعترفتم بأنَّ السنّة قد تخفى عليهم؟.

وأيضًا فإن عمر بن الخطاب كان إذا كتب إليه بعض الأعراب بسنة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عمل بها، ولو لم يكن معمولًا بها بالمدينة، كما كتب إليه الضَّحاك بن سفيان الكِلابيّ: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وَرَّث امرأة أَشْيَم الضِّبابي من دية زوجها"، فقضى به عمر (٣).

وأيضًا فإن هذه السنة التي لم يعمل بها أهل المدينة لو جاء مَن رواها إلى المدينة وعمل بها لم يكن عمل مَنْ خالفه حجّة عليه، فكيف يكون حجة عليه إذا خرج من المدينة؟.


(١) في (ق) و (ك): "أسند".
(٢) بعدها في المطبوع زيادة كلمة "أصحاب".
(٣) رواه ابن أبي شيبة (٩/ ٣١٣)، وأبو داود (٢٩٢٧) في (الفرائض): باب في المرأة ترث من دية زوجها، والترمذي (١٤٣٦) في (الديات)، و (٢١٩٣) في (الفرائض)، وابن ماجه (٢٦٤٢)، وأحمد (٣/ ٤٥٢)، والطبراني في "الكبير" رقم (٨١٤٥ و ٨١٤٢)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (١٤٩٦ و ١٤٩٧) من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يقول. . . حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان.
قال الترمذي: هذا حديث حَسَن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>