للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فهذا ينتقص عليكم بما لو كان الرهن دارًا فخرِبَ بعضُها فعمَّرها ليحفظ الرهن؛ فإنه لا يستحق السكنى عندكم بهذه العمارة، ولا يرجع بها.

قيل: ليس كذلك، بل يحتسب له بما أنفقه؛ لأن فيه إصلاح الرهن، ذكره القاضي (١) وابنه وغيرهما. وقد نص الإمام أحمد في رواية أبي حرب الجرجرائي (٢) في رجل عمل في قَنَاة رجل بغير إذنه، فاستخرج الماء، لهذا الذي عمل أجرٌ في نفقته إذا عمل ما يكون منفعة لصاحب القناة، هذا مع أن الفرق بين الحيوان والدار ظاهر، لحاجة الحيوان إلى الإنفاق ووجوبه على مالكه، بخلاف عمارة الدار، فإن صح الفرق بطل السؤال، وإن بطل الفرق ثبت الاستواء في الحكم.

فإن قيل: في هذا مخالفة للأصول من وجهين:

أحدهما: أنه إذا أدَّى عن غيره واجبًا بغير إذنه كان متطوعًا (٣)، ولم يلزمه القيام [له] (٤) بما أدَّاه عنه.

الثاني: أنه لو لزمه عوضه فإنما يلزمه نظير ما أدَّاه، فأما أن يُعاوض عليه بغير جنس ما أداه بغير اختياره فأصولُ الشرع تأبى ذلك (٥).

قيل: هذا هو الذي رُدَّتْ به هذه السنة، ولأجله تأوَّلها منْ تأولها على أن المراد بها أن النفقة على المالك فإنه الذي يركب ويشرب، وجعل الحديث (٦) دليلًا على جواز تصرف الراهن في الرهن بالركوب والحَلْب وغيره، ونحن نبين (٧) ما في هذين الأصلين من حق وباطل.

فأما الأصل الأول فقد دل على فساده القرآنُ والسنةُ وآثار الصحابة والقياسُ [الصحيح] (٨) ومصالح العباد، أما القرآن فقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وقد تقدم تقرير الدلالة منه، وقد اعترض بعضُهم على هذا الاستدلال بأن المراد به أجورهنَّ المسماة فإنه أمرٌ لهم بوفائها، لا أمرٌ لهم بإيتاء


(١) في "الخلاف الكبير" بينما ذهب في "المجرد" أنه لا يرجع إلا بأعيان آلته، وانظر في المسألة: "المحرر" (١/ ٣٣٦)، و"المغني" (٤/ ٢٥٢ رقم ٣٣٧٢)، و"القواعد" لابن رجب (٢/ ٨٢ - ٨٣ - بتحقيقي)، و"الإنصاف" (٥/ ١٧٧).
(٢) ذكرها ابن رجب في "القواعد الفقهية" (٢/ ٧١ - بتحقبقي)، وأطال النفس في توجيهها. وفي الأصول الجرجاني والمثبت من (ق) و (ك).
(٣) في المطبوع: "متبرعًا".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك).
(٥) في (ق): "هذا".
(٦) المتقدم تخريجه قريبًا.
(٧) في (ك): "نذكر".
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>