للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القياس الصحيح، كما يخفى على كثير من الناس ما في النصوص من الدلائل الدقيقة التي تدل على الأحكام" (١).

ولم يأتِ في هذا الذي قرره ببدع من القول، بل هو الجادة المطروقة، وقد صرح هو بذلك؛ فأصغ إليه وهو يقول في (٢/ ٢٥٦):

"لم أجد أجود الأقوال إلا أقوال الصحابة، وإلى ساعتي هذه ما علمت قولًا قاله الصحابة ولم يختلفوا فيه إلا كان القياس معه، لكن العلم بصحيحِ القياسِ وفاسدِه من أجَلِّ العلوم، وإنما يَعرف ذلك من كان خبيرًا بأسرار الشرع ومقاصده، وما اشتملت عليه شريعة الإسلام من المحاسن التي تفوق التعداد، وما تضمنته من مصالح العباد في المعاش والمعاد، وما فيها من الحكمة البالغة والنعمة السابغة والعدل التام، واللَّه أعلم" (٢).

واشتهر هذا المبحث عن ابن القيم، وصرح في كتابنا هذا أنه كان هو السبب في تقرير شيخه ابن تيمية إياه (٣)، قال في (٢/ ١٦٥): "وسألتُ شيخنا -قدس اللَّه روحه- عما يقع في كلام كثير من الفقهاء من قولهم: هذا خلاف القياس (٤). . . فقال: ليس في الشريعة ما يخالف القياس" قال: "وأنا أذكر ما


(١) "إعلام الموقعين" (٢/ ٢٣٨).
(٢) انظر -له-: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (١٧/ ١٨٢) وانظر منه: (٨/ ١٧٩ و ١٣/ ١٩ و ١٤٦/ ١٤) و"شفاء العليل" (٤٠٠ - ٤٣٠) و"الجواب الكافي" (٣٩ - ٤١) و"مفتاح دار السعادة" (٣٥٠ - ٣٥١) كلها لابن القيم، و"تعليل الأحكام للشلبي" (١٤ - ٢٢) و"أضواء البيان" (٤/ ٦٧٩).
(٣) ألف الشيخ عمر بن عبد العزيز رحمه اللَّه كتابًا بعنوان "المعدول به عن القياس، حقيقته وحكمه وموقف شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية منه"، وقد نشر محب الدين الخطيب ما يخص هذه المسألة في كتاب، جمع فيه كل كلام ابن تيمية وابن القيم، وانظر -لزامًا-: ما سنذكره في هذه المقدمة تحت عنوان (بين المصنف وشيخه ابن تيمية).
(٤) توسع الحنفية في هذا، ولذا نازع متأخروهم ابنَ القيم في رده عليهم، انظر -مثلًا-: مبحث (الإجارة) هل هو على خلاف القياس أم لا؟ في "إعلاء السنن" (١٦/ ١٨٢ - ١٨٣)، ولأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري مبحث مطول في ذلك، راجعه في "من أحكام الديانة" (السفر الأول) (ص ٣٣٦ - ٣٥٧)، وهو بعنوان: "عقد الإجارة مظهر للقياس الصحيح، وتحقيق الخلاف بين الحنفية وابن قيم الجوزية، ومعنى القياس هاهنا" واعتنى عناية قوية بمناقشة كلام ابن القيم، وبيان مراده على وجه تفصيلي تحليلي، تظهر منه دقة ابن القيم الشديدة، وقارنه بما في "تمكين الباحث من الحكم بالنص بالحوادث" لوميض العمري (ص ٤٢ - ٤٣)، واللَّه الموفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>