للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الطَّواف من حديث عائشة، وقد دلَّتْ أحكامُ الشَّريعة على أنَّ الحائض أولى بالعذر، وتحصيل مصلحة العبادة التي تفوتها إذا تركتها مع الحيض من الجنب (١)، وهكذا (٢) إذا حاضت في صَوْم شهرَيْ التتابع لم يثقطع تتابعُها بالاتفاق، وكذلك تقضي المناسك كلها من أولها إلى آخرها مع الحيض بلا كراهة بالاتفاق سوى الطواف؛ وكذلك تشهد العيد مع المسلمين بلا كراهة بالنص (٣)، وكذلك تقرأ القرآن إما مطلقًا وإما عند خوف النسيان، وإذا حاضت وهي معتكفة لم يبطل اعتكافها بل تُتِمه في رَحْبة المسجده

وسر المسألة ما أشار إليه صاحب الشرع بقوله: "إن هذا أمر كَتَبه اللَّه على بنات آدم" (٤) ولذلك (٥) قال الإِمام أحمد (٦): "هذا أمر بُلِيَتْ به نزل عليها ليس من قِبَلِها"، والشريعة قد فرَّقت بينها وبين الجنب كما ذكرناه؛ فهي أحق بأن تعذر من الجنب الذي طاف مع الجنابة ناسيًا أو ذاكرًا؛ فإذا كان فيه النزاع المذكور فهي أحق بالجواز منه؛ فإن الجنب يمكنه الطهارة وهي لا يمكنها، فعذرها بالعجز والضرورة أولى من عذره بالنسيان، فإن الناسي لِما أُمر به من الطهارة والصلاة يُؤمر بفعله إذا ذكره، بخلاف العاجز عن الشرط أو الركن فإنه لا يؤمر بإعادة العبادة معه إذا قَدِرَ عليه؛ فهذه إذا لم يمكنها إلا الطواف على غير طهارة وجب عليها ما تقدر عليه وسقط عنها ما تعجز عنه، كما قال اللَّه تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بأمر فأتُوا منه ما استطعتم" (٧) وهذه لا تستطيع إلا هذا، وقد اتقت اللَّه ما استطاعت؛ فليس عليها غير ذلك بالنَّص وقواعد الشريعة، والمطلق يقيد بدون هذا بكثير، ونصوص أحمد وغيره من العلماء صريحة في أن الطواف ليس كالصلاة في اشتراط الطهارة، وقد ذكرنا نصه في رواية محمد بن الحكم (٨) إذا طاف طواف الزيارة وهو ناسٍ لطهارته حتى رجع


(١) كذا العبارة في الأصول! ولعل نقصًا فيها، تقديره: "أولى من الجنب".
(٢) في (ن): "ولهذا".
(٣) في هذا حديث أم عطية، رواه البخاري (٩٧٤) في العيدين: باب خروج النّساء والحيّض إلى المصلى، ومسلم (٨٩٠) في العيدين: باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى.
(٤) هو جزء من حديث: "افعلي ما يفعل الحاج" سبق تخريجه قريبًا.
(٥) في المطبوع: "وكذلك".
(٦) في رواية الميموني، كما في "شرح العمدة" (٣/ ٥٨٨) ومضى كلامه بتمامه قريبًا.
(٧) سبق تخريجه.
(٨) مضى توثيقها (ص ٣٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>