للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخرجًا، فلما تركوا تقوى اللَّه وتلاعبوا بكتاب اللَّه وطلّقوا على غير ما شرعه اللَّه ألزمهم بما التزموه عقوبةً لهم؛ فإن اللَّه تعالى إنما شرع الطلاق مرَّة بعد مرَّة، ولم يشرعه كله مرة واحدة، فمن جمع الثلاث في مرة واحدة فقد تعدَّى حدود اللَّه، وظلم نفسه، ولعب بكتاب اللَّه، فهو حقيق أن يُعَاقَبَ، ويُلزم بما التزمه، ولا يُقرّ على رخصة اللَّه وسعته، وقد صعّبها على نفسه، ولم يتق اللَّه ولم يطلق كما أمره اللَّه وشَرَعه له، بل استعجل فيما جعل اللَّه له الأناة فيه رحمة منه وإحسانًا، ولبّس على نفسه، واختار الأغلظ والأشد؛ فهذا مما تغيرت به الفتوى لتغير الزمان، وعلم الصحابةُ -رضي اللَّه عنهم- حُسْنَ سياسة عمر وتأديبه لرعيته في ذلك فوافقوه على ما أَلْزم به، وصرَّحوا لمن استفتاهم بذلك فقال عبد اللَّه بن مسعود: مَنْ أتى الأمر على وجهه فقد بُيِّن له، ومن لبّس على نفسه جعلنا عليه لبسه، واللَّه لا تلبسون على أنفسكم ونتحملُه منكم، هو كما تقولون (١). فلو كان وقوع الثلاث ثلاثًا في كتاب اللَّه وسنة رسوله لكان المطلِّق قد أتى الأمر على وجهه، ولَما كان قد لبس على نفسه، ولما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمن فعل ذلك: "أَيُلْعب (٢) بكتاب اللَّه وأنا بين أظْهُركم؟ " (٣) ولما


(١) لم أظفر به.
(٢) في المطبوع: "تلعب".
(٣) رواه النسائي في "سننه الصغرى" (٦/ ١٤٢) وفي "الكبرى" (٥٥٩٤) في (الطلاق): باب الثلاث المجموعة، وما فيه من التغليظ من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت محمود بن لبيد فذكره.
قال ابن حجر في "الفتح" (٩/ ٣٦٢): ورجاله ثقات، لكن محمود بن لبيد، ولد في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يثبت له منه سماع، وإن ذكره بعضهم في الصحابة فلأجل الرؤية، وقد ترجم له أحمد في "مسنده"، وأخرج له عدة أحاديث ليس فيها شيء صَرّح فيه بالسماع، وقد قال النسائي بعد تخريجه: لا أعلم أحدًا رواه غير مخرمة بن بكير -يعني ابن الأشج- عن أبيه، ورواية مخرمة عن أبيه عند مسلم في عدة أحاديث، وقد قيل أنه لم يسمع من أبيه.
أقول: كلام ابن حجر -رحمه اللَّه- هنا عن صحبة محمود بن لبيد خلاف ما ذكره في "الإصابة" فقد ذكره هناك (٣/ ٣٦٧) في القسم الأول، وذكر عن البخاري أن له صحبة، وذكر حديثًا في "مسند أحمد" فيه سماعه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ونَقْله عن النسائي موجود في "سننه الكبرى"، عن مخرمة في سماعه من أبيه كلام، وروايته عنه في "صحيح مسلم" وانظر: "زاد المعاد" (٥/ ٢٤١ - ٢٤٣) و"الرواة المتكلم فيهم في صحيح مسلم" (ص ٤٩٥ - ٥٠٥ رسالة ماجستير) لسلطان العكايلة و"الأحكام الوسطى" (٣/ ١٩٣) و"الأوهام التي في مدخل أبي عبد اللَّه الحاكم" (ص ٩٢ - ٩٣) لعبد الغني بن سعيد، مع تعليقي عليه، وتعليقي على "الإشراف" (٣/ ٤٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>