للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: ٤٠]، فهل هذا إذْنٌ لهم أن يعملوا ما شاءوا؟ فقال: لا أدري، أنت لفظتَ بالإذنِ، فقال له: ما أردت الإذن، فلم يَفْقَه المُفْتِي هذا، وغلظ حجابه عن إدراكه، وفرَّق بينه وبين امرأته بما لم يأذن به اللَّه ورسوله (١) ولا أحد من أئمة الإسلام، وليت شعري هل يقول هذا المفتي: إن قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩]، إذْنٌ له في الكفر؟ وهؤلاء أبْعَدُ الناس عن الفَهْمِ عن اللَّه ورسوله وعن المطلقين مقاصدهم، ومِنْ هذا إذا قال العبد لسيده، وقد استعمله في عمل يَشُقُّ عليه: أعتقني من هذا العمل، فقال: أعتقتك، ولم ينو إزالة ملكه عنه، لم يعتق بذلك، وكذلك إذا قال عن امرأته: هذه أختي، ونوى أختي في الدين، لم تحرم بذلك، ولم يكن مُظَاهِرًا، والصريح لم يكن موجبًا لحكمه لذاته، وإنما أوجبه لأنا نستدل على قصد المتكلم به لمعناه؛ لجريان (٢) اللفظ على لسانه اختيارًا؛ فإذا ظهر قَصْدُه بخلاف معناه لم يجز أن يُلْزَمَ بما لم يرده، ولا التزمه، ولا خطر بباله، بل إلزامه بذلك جناية على الشرع وعلى المكلف، واللَّه سبحانه وتعالى رَفَعَ المؤاخذة عن المتكلم بكلمة الكفر مُكْرَهًا لما لم يقصد معناها ولا نواها، فكذلك (٣) المتكلم بالطلاق والعتاق والوقف واليمين والنذر مكرهًا لا يلزمه شيء من ذلك؛ لعدم نيته وقصده، وأتى باللفظ الصريح؛ فعلم أن اللفظ إنما يوجب معناه لقصد المتكلم به، واللَّه تعالى رفع المؤاخذة عمَّن حدَّثَ نفسَه بأمر بغير تلفظٍ أو عمل، كما رفعها عمن تلفظ باللفظ من غير قصد لمعناه، ولا إرادة، ولهذا لا يكفر مَنْ جَرَى على لسانه لفظُ الكفر سَبْقًا من غير قصد لفرح أو دهش وغير ذلك (٤)، كما في حديث الفرح الإلهِيِّ بتوبة العبد، وضرب مثل ذلك بمن فَقَدَ راحلته عليها طعامه وشرابه في الأرض المُهْلكة، فأيس منها ثم وجدها فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك "أخطأ من شدة الفرح" (٥) ولم يؤاخذ بذلك.


(١) في (ن) و (ق): "بما لم يأذن اللَّه به ولا رسوله".
(٢) في (ك): "بجريان".
(٣) في (ق) و (ك): "ولا نواة، وكذلك".
(٤) في (و): "أو غير ذلك".
(٥) رواه البخاري (٦٣٠٩) في (الدعوات): باب التوبة، ومسلم (٢٧٤٧) في (التوبة): باب في الحض على التوبة، من حديث أنس بن مالك.
وقد ورد عن جمع من الصحابة أغلبها في "الصحيحين".

<<  <  ج: ص:  >  >>