للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: ٢٧٥] (١).

وأيضًا فهذا الحديث إذا انضمَّ إلى تلك الأحاديث والآثار أفادت بمجموعها الظن الغالب إن لم تفد اليقين.

وأيضًا فإن آثار الصحابة كما تقدم موافقة لهذا الحديث، مشتقة منه، مُفَسِّرة له.

[وأيضًا فلو لم يأت في هذه المسألة أثر لكان محض القياس ومصالح العباد وحكمة الشريعة تحريمها أعظم من تحريم الربا؛ فإنها ربًا مُسْتَحل بأدنى الحيل] (٢).

وأيضًا فكيف يليق بالشريعة الكاملة التي لعنت آكِلَ الربا ومُوكِلَه، وبالغت في تحريمه، وآذنَتْ صاحبه بحرب من اللَّه ورسوله، [أن] (٣) تبيحه بأدنى الحِيَل مع استواء المفسدة؟ ولولا أن عند أم المؤمنين -رضي اللَّه عنها- علمًا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا تستريب فيه ولا تشك بتحريم مسألة العِينَةِ لَمَا أقدمت على الحكم بإبطال جهاد رجل من الصحابة باجتهادها، لا سيما إن كانت قصدت أن العمل يبطل بالردة، واستحلال الربا ردة، ولكن عذر زيد أنه لم يعلم أن هذا محرم، كما عُذِر ابن عباس بإباحته بيعَ الدرهمِ بالدرهمين (٤)، وإن لم يكنْ قَصْدُها هذا، بل قَصَدت أن هذا من الكبائر التي يقاوِم إثمُها ثوابَ الجهاد ويصير بمنزلة مَنْ عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئًا، ولو كان هذا اجتهادًا منها لم تمنع زيدًا منه، ولم تحكم ببطلان جهاده، ولم تَدعُه إلى التوبة؛ فإن الاجتهاد لا يحرم الاجتهاد، ولا يحكم بطلان عمل المسلم المجتهد بمخالفته لاجتهاد نظيره، والصحابةُ -ولا سيما أم المؤمنين- أعلم باللَّه ورسوله، وأفْقَهُ في دينه من ذلك.

وأيضًا فإن الصحابة كعائشة وابن عباس وأنس أفْتَوْا بتحريم مسألة العِينَةِ (٥)، وغَلَّظوا فيها هذا التغليظ في أوقات ووقائع مختلفة؛ [فلم] (٦) يجيء عن واحد من الصحابة [ولا التابعين] (٧) الرخصة في ذلك (٨)، فيكون إجماعًا.


(١) انظر التخريج السابق.
(٢) ما بين المعقوفتين تقدّمت في (د) في الصفحة السابقة وأثبتناهاهنا كما في (ن) و (ك) و (ق).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) هذا هو المتقدم عنهم، (٧٠، ٧٩، ٨٠) وقارن هذا الكلام وما بعده بـ"بيان الدليل" (ص ١١٥ - ١١٩) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه-.
(٦) في (ك) و (ق): "ولم".
(٧) في (ك) و (ق): "والتابعين".
(٨) في (ن) و (ك) و (ق): "الرخصة فيها"، وأشار إليها في هامش (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>