للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قوله: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: ٧٠] ليصح أن يضمن سرقتهم ليوسف فيتم التعريض، ويكون الكلام صِدْقًا، وذكر المفعول في قوله: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} [يوسف: ٧٢] وهو صادقٌ في ذلك (١)، فصَدَقَ في الجملتين معًا تعريضًا وتصريحًا، وتأَمَّل قول يوسف: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف: ٧٩] ولم يقل: إِلا مَنْ سرق، وهو أخصر لفظًا، تحريًا للصدق، فإن الأخ لم يكن سارقًا بوجه، وكان المتاع عنده (٢) حقًا؛ فالكلام من أحسن المعاريض وأصدقها] (٣).

ومثل هذا قول المَلَكين (٤) لداود -عليه السلام-: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} إلى قوله: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: ٢٢ - ٢٣] أي: غَلَبني في الخطاب، ولكن تخريج هذا الكلام على المعاريض لا يكاد يتأتَّى، وإنما وجهه أنه كلام خرج على ضرب المثال: أي إذا كان كذلك فكيف الحكمُ بيننا.

ونظير هذا (٥) قول المَلَك للثلاثة الذين أراد اللَّه أن يبتليهم: "مسكينٌ وغريبٌ وعابرُ سبيل، وقد تقطَّعت بي الحبال، ولا بلاغ لي اليوم إِلا باللَّه ثم بك، فأسألك بالذي أعطاك هذا المال بعيرًا أتبلَّغ به في سَفرِي هذا" (٦) وهذا ليس بتعريض، وإنما هو تصريح على وجه ضرب المثال وإيهام أني أنا صاحب [هذه] (٧) القضية كما أوهم الملكان داود أنهما صاحبا القصة ليتم الامتحان.


(١) قال شيخ الإسلام: "فإن يوسف لعله لم يطلعه على أن الصواع في رحالتهم ليتم الأمر إنكم لسارقون بناءً على ما أخبره به يوسف، وكذلك لم يقل: سرقتم صاع الملك، وإنما قال: (نفقده)؛ لأنه لم يكن يعلم أنهم سرقوه، أو أنه اطلع على ما صنعه يوسف -عليه السلام-، فاحترز في قوله: فقال: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}.
(٢) في (ك): "عند المتاع"، وفي (ق): "عنده الكلام".
(٣) ما بين المعقوفتين من كلام المصنف، وتصرف كثيرًا في النقل من شيخه إذ كلامه هو الوارد في الهامش قبل السابق.
(٤) قال (و): "لم يردّ في القرآن أنهما ملكان، وإنما ورد {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} " اهـ.
(٥) قال (و): "هذا الكلام إلى قوله: "ليتم الامتحان" لا يوجد في الفتاوى" اهـ.
قلت: وفي (ق): "ومثل هذا" بدل "ونظير هذا".
(٦) رواه البخاري (٣٤٦٤) في "أحاديث الأنبياء": باب أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل و (٦٦٥٣) في "الأيمان والنذور": باب لا يقول: ما شاء اللَّه وشئت، وهل يقول: أنا باللَّه ثم بك؟ ومسلم (٢٩٦٤) في "الزهد": أوله، من حديث أبي هريرة وقد ذكرتُه مع فوائده المستفادة منه في كتابي "من قصص الماضين" (ص ١٨٩ - ١٩٥).
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>