للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحمَّى الأرواح، وغم الصدور، ومرض القلوب، إن أنصفتهم لم تقبل طبيعتهم الإنصاف، وإن طلبته منهم، فأين الثريا من يد الملتمس، قد انتكست قلوبهم، وعمي عليهم مطلوبهم، رضوا بالأماني، وابتلوا بالحظوظ، وحصلوا على الحرمان، وخاضوا بحار العلم لكن بالدعاوى الباطلة وشقائق الهذيان، ولا واللَّه ما ابتلت من وَشَله (١) أقدامهم، ولا زكت به عقولهم وأحلامهم، ولا ابيضت به لياليهم وأشرقت بنوره أيامهم، ولا ضحكت بالهدى والحق منه وجوه الدفاتر إذ بُلَّتْ بمدادِه أقلامُهم، أَنفقوا في غير شيء نفائسَ الأنفاس وأَتعبوا أنفسهم وحيَّروا مَنْ خلفهم من الناس، ضيَّعوا الأصول، فحُرِمُوا الوصول، وأعرضوا عن الرسالة فوقعوا في نهاية الحيرة وبيداء الضلالة" (٢).

وقال عنهم: "ليس لهم تحقيق في العلم" (٣).

ونعت ابن القيم هؤلاء فيما مضى بصيغة الجمع وكان كلامه معهم في بعض الأحايين بصيغة الإفراد، كقوله:

"وليس كلامنا في هذا الكتاب مع المقلّد المتعصّب، المقرّ على نفسه بما شهد عليه به جميعُ أهل العلم، أنه ليس من جملتهم، فذاك وما اختار لنفسه، وباللَّه التوفيق" (٤) وقوله:

"فأجابهم مَنْ مُنِع التوفيق، وصُدَّ عن الطريق" (٥)، و"الجاهل الظالم لا يرى الإحسان إلا إساءة، ولا الهدى إلا ضلالة" (٦)، و"الجاهل الظالم يخالفك بلا حجة، ويكفّرك ويبدّعك بلا حُجة، وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة، وسيرته الذميمة" (٧).

وقال عن هذا الصنف: "ليلزم حدّه، ولا يتعدّى طوره، ولا يمد إلى العلم الموروث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- باعًا يقصر عن الوصول إليه، ولا يتّجر بنقدٍ زائف لا يروج عليه" (٨).

ولا يعارض هذا ما قلناه من الإنصاف الذي يتحلى به ابن القيم، فإن كلامه هذا مع فرقة تلاعبت بأحكام الدين، وجعلت كلام أئمتها عيارًا على الكتاب


(١) الوشل: الماء القليل.
(٢) "إعلام الموقعين" (٥/ ٦٦ - ٦٧).
(٣) "إعلام الموقعين" (٤/ ٢٤٣).
(٤) "إعلام الموقعين" (٤/ ٣١١).
(٥) "إعلام الموقعين" (٥/ ٩٨).
(٦) "إعلام الموقعين" (٤/ ٤٣٤).
(٧) "إعلام الموقعين" (٤/ ٣٨٨).
(٨) "إعلام الموقعين" (٣/ ٥١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>