للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أن يشتري جزءًا من الشقص بالثمن كله، ثم يهب له بقية الشقص. وهذا لا يُسْقِطها، ويأخذ الشفيع الشقص كلَّه بالثمن؛ فإن هذه الهبة لا حقيقة لها، والموهوب هو المبيع بعينه، ولا تغيّر حقائق العقود وأحكامها التي شرعت فيها بتغيّر العبارة.

وليس للمكلَّف أنْ يغيّر حكم العقد بتغيير عبارته فقط مع قيام حقيقته، وهذا لو أراد من البائع أن يهبه جزءًا من ألف جزء من الشَّقْص بغير عوض لما سمحتْ نفسُه بذلك البتة، فكيف يَهَبهُ ما يساوي مئة ألف بلا عوض؟ وكيف يشتري منه (١) الآخر مئة درهم بمئة ألف [درهم] (٢)؟ وهل هذا إلا سَفَهٌ يقدح في صحة العقد؟

قال الإمام أحمد رضي اللَّه عنه في رواية إسماعيل بن سعيد، وقد سأله عن الحيلة في إبطال الشفعة، فقال: لا يجوز شيء من الحيل في ذلك، ولا في إبطال حق مسلم (٣).

وقال عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه- في هذه الحيل (٤) وأشباهها: مَنْ يخدع اللَّه يخدعه، والحيلة خديعة (٥).

وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تحلُّ الخَدِيعَةُ لمسلم" (٦)، واللَّه تعالى ذم المخادعين، والمتحيل مخادع؛ لأن (٧) الشفعة شُرعت لدفع الضرر، فلو شرع


(١) قال (د)، و (ط): "في نسخة: وكيف يشتري من الآخر"، وزاد (ط): "انظر: "إعلام الموقعين" ط فرج اللَّه زكي الكردي ج ٣ ص ٣٢٠".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٣) ذكرها ابن تيمية في "بيان الدليل" (ص ٦٠)، وهي في (ك).
(٤) في (ق): "الحيلة".
(٥) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (١/ ٣٠٠)، والبيهقي (٧/ ٣٣٧)، ومضى نحوه وهناك تفصيل تخريجه.
(٦) رواه أبو داود الطيالسي (١٣٤٥) -ومن طريقه البيهقي (٥/ ٣١٧) - وأحمد في "مسنده" (١/ ٤٣٣)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٥/ ٩٥)، وابن ماجه (٢٢٤١) في (التجارات): باب بيع المصراة من طريق المسعودي عن جابر الجعفي عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بيع المحفَّلات خِلابةٌ، ولا تحلَّ الخِلابة لمسلم".
قال البوصيري (٢/ ١٩): "هذا إسناد فيه جابر الجعفي وقد اتهموه". وكذا ضعفه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (٤/ ٣٦٧)، ورجّحا الوقف، وقد رجح الوقف أيضًا البيهقي.
رواه موقوفًا ابن أبي شيبة (٥/ ٩٤)، والبيهقي (٥/ ٣١٧) وقال: إسناده صحيح.
(٧) في (ق) و (ك): "ولأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>