للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصفاته، فإنه كلما (١) كان باللَّه أعرف كان له أشد خشية، وكلما (٢) كان به أجْهَلَ كان أشد غرورًا به وأقل خشية.

فإن أعجزتهم هذه الحيلة وعَظُم وقار اللَّه في قلب العبد هَوَّنُوا عليه الصغائر، وقالوا له: إنها تقع مُكَفَّرة باجتناب الكبائر حتى كأنها لم تكن، وربما مَنَّوه أنه إذا تاب منها -[كبائر كانت أو صغائر] (٣) - كتِبَ له مكانَ كل سيئة حسنة، فيقولون [له] (٣): كثِّر منها ما استطعت، ثم اربح مكان كل سيئة حسنةً بالتوبة، ولو قَبْلَ الموت بساعة؛ فإن أعجزتهم هذه الحيلة وخلَّصَ اللَّه عبده منها نَقَلوه إلى الفُضُول من أنواع المُبَاحات والتوسُّعِ فيها، وقالوا له: قد كان لداود مئة امرأة إلا واحدة ثم أراد تكميلها بالمئة، وكان لسليمان ابنه مئة امرأة، وكان للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان رضي اللَّه عنهم من الأموال ما هو معروف (٤) وكان لعبد اللَّه بن المبارك والليث بن سعد من الدنيا وسَعَة المال ما لا يجهل، ويُنْسُوه ما كان هؤلاء من الفضل، وأنهم لم ينقطعوا عن اللَّه بدنياهم، بل ساروا بها إليه، فكانت طريقًا لهم إلى اللَّه عز وجل؛ فإن أعجزتهم هذه الحيلة -بأن تفتح بصيرة قلب العبد (٥) حتى كأنه يشاهد بها الآخرة وما أعد اللَّه فيها لأهل طاعته وأهل معصيته، فأخذ حذره، وتأهب للقاء ربه تعالى، [واستقصر مدة هذه الحياة] (٦) [في] الدنيا في جَنْب الحياة الباقية الدائمة- نقلوه إلى الطاعات [المفضولة الصغيرة] (٦) الثواب ليشغلوهُ بها عن الطاعات الفاضلة الكثيرة الثواب، [فيعمل] (٧) حيلته في تركه كل طاعةٍ كبيرة إلى ما هو دونها، [فيعمل] (٧) حيلَتَه في تفويت الفضيلة عليه؛ فإن أعجزتهم هذه الحيلة -وهيهات- لم يبق لهم إلا حيلة واحدة، وهي تسليط أهل الباطل والبِدَع والظّلَمة عليه يؤذونه، ويُنَفِّرون الناسَ عنه، ويمنعونهم من الاقتداء به؛ ليفوِّتوا عليه مصلحة


(١) في (ق): "فإن كل من".
(٢) في (ق): "وكل من".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).
(٤) انظر في أموال الزبير: "صحيح البخاري" (٣١٢٩) في (فرض الخمس): باب بركة الغازي في ماله حيًا وميتًا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وولاة الأمر، وكذا "فتح الباري" (٦/ ٢٣٢ - ٢٣٤) و"المجالسة" (رقم ٢٢٠٠ - بتحقيقي) وما علقناه عليه، وفي أموال عبد الرحمن بن عوف "المجالسة" أيضًا (رقم ٢١٩٩ - بتحقيقي).
(٥) في (ق): "بأن يفتح اللَّه بصيرة العبد".
(٦) ما بين المعقوفتين مطموسة في (ك) وما بعدها من (ك).
(٧) في (ك): "فيعملوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>