للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ونوع يظهر صاحبه أن مقصوده خير وصلاح ويُبْطِن خلافه.

وأرباب النوع الأول أسلم عاقبةَ من هؤلاء؛ فإنهم أتوا البيوت من أبوابها والأمر من طريقه ووجهه، وأما هؤلاء فقَلَبوا مواضع (١) الشرع والدين، ولما كان أرباب هذا النوع إنما يباشرون الأسباب الجائزة ولا يظهرون مقاصدهم أعْضلَ أمرُهم، وعظم الخَطْبُ بهم، وصعب الاحتراز منهم، وعزَّ على العالم استنقاذ قتلاهم، فاسْتبِيحت بحيلهم الفرُوج، وأُخِذت بها الأموال من أربابها فأعطيت لغير أهلها، وعُطِّلت بها الواجبات، وضُيِّعت بها الحقوق، وعَجَّت الفرُوج والأموال والحقوق إلى ربها عجيجًا، وضجَّت مما حل بها إليه ضجيجًا، ولا يختلف المسلمون أن تعليم هذه الحيل حرام، والإفتاء بها حرام، والشهادة على مضمونها حرام، والحكم بها مع العلم بحالها حرام، والذين جَوَّزوا منها ما جوَّزه (٢) من الأئمة لا يجوز أن يظن بهم أنهم جوّزوه على وجه الحيلة إلى المحرم وإنما جوزوا صورة ذلك الفعل، ثم إن المتحيل المخادع المكَّار (٣) أخذ صورة ما أفتوا به فتوسَّل به إلى ما منعوا منه، وركَّبَ ذلك على أقوالهم وفتاواهم، وهذا فيه الكذب عليهم وعلى الشارع، مثالُه أن الشافعي رحمه اللَّه تعالى يجوّز إقرار المريض لوارثه (٤)؛ فيتخذه مَنْ يريد أن يوصي لوارثه وسيلةً إلى الوصية له بصورة الإقرار ويقول: هذا جائز عند الشافعي، وهذا كذب على الشافعي؛ فإنه لا يجوّز الوصية للوارث بالتحيل عليها بالإقرار؛ فكذلك (٥) الشافعي رحمه اللَّه يجوز للرجل إذا اشترى من غيره سِلْعة بثمن أن يبيعه إياها بأقلَّ مما اشتراها منه بناء على ظاهر السلامة (٦). ولا يجوز ذلك حيلة على بيع مئة بمئة وخمسين إلى سنة؛ فالذي يسدُّ الذرائع يمنع ذلك وبقول: هو يُتَّخذ حيلة إلى (٧) ما حرمه اللَّه تعالى ورسوله، فلا


(١) في المطبوع و (ك): "موضوع".
(٢) في المطبوع: "ما جوزوا"، وفي (ك) و (ق): "جوزوه".
(٣) في (ق): "الماكر".
(٤) مختصر المزني" (١١١)، "المهذب" (٢/ ٣٤٤)، "فتح العزيز" (١١/ ٩٦)، "روضة الطالبين" (٤/ ٣٥٣ - ٣٥٤)، "مغني المحتاج" (٢/ ٢٤٠)، "نهاية المحتاج" (٥/ ٦٤)، "مختصر الخلافيات" (٣/ ٤٠٥ رقم ١٣٠).
(٥) في (ك) و (ق): "وكذلك".
(٦) "الأم" (٣/ ٧٨ - ٨٠) "مختصر المزني" (٨٥)، "الحاوي الكبير" (٦/ ٣٥٠)، "المجموع" (١٠/ ١٤١)، "روضة الطالبين" (٣/ ٤١٦ - ٤١٧)،"مختصر الخلافيات" (٣/ ٣٣٢ رقم ١٠٤).
(٧) في (ك) و (ق): "على".

<<  <  ج: ص:  >  >>