للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن شراءه لنفسه عَزْل لنفسه وإخراج لها من الوكالة، والوكيل يملك عزل نفسه في حضور الموكِّل وغيبته، وإذا عزل نفسَه واشترى الجارية لنفسه بماله ملكها، وليس ذلك بيع على بيع أخيه ولا شراء على شراء أخيه (١)، إلا أن يكون سيَّدها قد ركن إلى الموكل وعزم على إمضاء البيع له؛ فيكون شراء الوكيل لنفسه حينئذ حرامًا لأنه شراء على شراء أخيه، ولا يقال: "العقد لم يتم والشراء على شرائه هو أن يطلب من البائع فَسْخَ العقد في مدة الخيار ويعقد معه هو" لعدة أوجه:

أحدها: أن هذا حمل الحديث على الصورة النادرة، والأكثر خلافها.

الثاني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَرَن ذلك بخطبته على خطبة أخيه (٢)، وذلك إنما يكون قبل عقد النكاح.

الثالث: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن يَسُومَ على سَوْم أخيه (٣)، وذلك أيضًا قبل العقد.

الرابع: أن المعنى الذي حَرَّم الشارع لأجله ذلك لا يختص بحالة الخيار، بل هو قائم بعد الركون والتراضي وإن لم يعقداه كما هو قائم بعد العقد.

الخامس: إن هذا تخصيص لعموم الحديث بلا موجب، فيكون فاسدًا، فإن شراءه على شراء أخيه متناول لحال الشراء وما بعدهُ، والذي غَرَّ من خَصَّه بحالة الخيار ظنه أن هذا اللفظ إنما يصدق على من اشترى بعد شراء أخيه، وليس كذلك، بل اللفظ صادق على القسمين.

السادس: أنه لو اختص اللفظ بما بعد الشراء لوجب تعديته بتعدية علته إلى حالة السَّوْم.

أما (٤) على أصل أبي حنيفة فلا يتأتَّى ذلك؛ لأن الوكيل لا يملك عزل نفسه في غيبة الموكل، فلو اشتراها لنفسه لكان عزلًا لنفسه في غيبة موكله، وهو لا يملكه (٥).

قالوا: فالحيلة في شرائها لنفسه أن يشتريها بغير جنس الثمن الذي وكِّل أن يشتري به، وحينئذ فيملكها (٦)؛ لأن هذا العقد غير الذي وُكل فيه، فهو بمنزلة ما لو وكله في شراء شاة فاشترى فرسًا؛ فإن العقد يكون للوكيل دون الموكِّل؛ فإن أراد الموكل الاحتراز من هذه الحيلة وأنْ لا يمكنَ الوكيلَ من شرائها لنفسه


(١) في المطبوع: "وليس في ذلك بيع على بيع أخيه أو شراء على شراء أخيه".
(٢) الحديث المشار إليه صحيح، وقد سبق تخريجه.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) في (ك) و (ق): "وأما".
(٥) انظر: "بدائع الصنائع" (٦/ ٣٧ - ٣٩).
(٦) في (ق): "يملكها".

<<  <  ج: ص:  >  >>