للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليَّ" عند الأكثرين، كما دل عليه القرآن في قول مؤذن يوسف: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] والمصلحة تقتضي ذلك، بل قد تدعو إليه الحاجة أو الضرورة (١)، وعند الشافعي لا يجوز (٢)، وسلم جوازه إذا تبين سبب وجوبه كدرك المبيع. والحيلة في جوازه على هذا القول أنه إذا رضي بأن يلتزم عنه مقدارًا له لم يجب عليه بعد أن يقر المضمون عنه به للدافع ثم يضمنه عنه الضامن، فإن خشي المقر أن يطالبه المقر له بذلك ولا يدفعه إليه فالحيلة أن يقول: هو عليَّ من ثمن مبيع لم أقبضه، فإن تحرج من الإخبار بالكذب فالحيلة أن يبيعه ما يريد أخذه منه بالمبلغ الذي التزم الضامن أداءه، فإذا صار في ذمته ضمنه عنه، وهذا الحكم إذا زوج ابنه أو عبده أو أجيره وضمن للمرأة نفقتها وكسوتها فالصحيحُ في هذا كله جواز الضمان، والحاجة تدعو إليه، ولا محذور فيه، وليس بعقد معاوضة فتؤثر فيه الجهالة، وعقود الالتزام لا تؤثر فيها الجهالة كالنذر، ثم يمكن رفع الجهالة بأن يحد له حدًا فيقول: من درهم إلى كذا وكذا (٣).

فإن قيل: ما بين الدرهم والغاية مجهول لا يدري كم يلزمه منه!

قيل: لا يقدح ذلك في جواز الالتزام؛ لأنه يتبين في الآخر (٤) كم هو الواجب منه، [ثم] (٥) لو أقر بذلك فقال: "له علي ما بين درهم إلى ألف" صح؛ فهكذا إذا قال: "ضمنت عنه ما بين درهم إلى ألف".

فإن قيل: الضامن فرع على المضمون عنه، فإذا كان الأصل لم يثبت في ذمته شيء فعلى أي شيء ينبني الضمان ويتفرع؟

قيل: إنما يصير ضامنًا إذا ثبت في ذمة المضمون عنه، وإلا في الحال فليس هو ضامنًا. وإن صح أن يقال: "هو ضامن بالقوة" ففي الحقيقة هو ضمان مُعَلق على شرط، وذلك جائز، واللَّه أعلم.


(١) هذا مذهب المالكية والحنفية أيضًا وانظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (٢٩/ ٥٤٩) و"الإشراف" (٣/ ٦٣ مسألة ٩٢٠) للقاضي عبد الوهاب المالكي وتعليقي عليه.
(٢) "الأم" (٣/ ٢٢٩)، "الإقناع" (١٠٢)، "المهذب" (١/ ٣٤٧).
(٣) انظر: "بدائع الفوائد" (٣/ ٢٠٩ و ٤/ ٤، ٥، ٢٣، ٥١)، و"إغاثة اللهفان" (١/ ١٦٤، ١٦٧، ١٧٦، ١٧٧، ١٧٨).
(٤) في (ن) و (ق): "الأجرة"، وأشار في (ق): إليها إشارة تصحيح.
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي هامشها: "لعله: كما لو أقر".

<<  <  ج: ص:  >  >>