للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خالف لم يتبعهم (١) فضلًا عن أن يكون بإحسان؛ ولأن (٢) مطلق الاجتهاد ليس فيه اتباع لهم، لكن الاتباع لهم اسم يدخل فيه كل من وافقهم في الاعتقاد (٣) والقول، فلا بد مع ذلك أن يكون المتَّبعُ محسنًا بأداء الفرائض واجتناب المحارم (٤)، لئلا يقع اغترار (٥) بمجرد الموافقة قولًا، وأيضًا فلا بد أن يحسن المتبع لهم القول فيهم، ولا يقدح فيهم، اشترط اللَّه ذلك لعلمه بأن (٦) سيكون أقوام ينالون منهم (٧).

وهذا مثل قوله تعالى بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: ١٠]، وأما تخصيص اتّباعهم بأصول الدين دون فروعه فلا يصح؛ لأن الاتباع عام، ولأن من اتبعهم في أصول الدين فقط لو كان متبعًا لهم على الإطلاق لكنا متبعين للمؤمنين من أهل الكتاب (٨)، ولم يكن فرق بين أتباع السابقين من هذه الأمة وغيرها.

وأيضًا فإنه إذا قيل: "فلان يتبع فلانًا، واتبع فلانًا (٩)، وأنا (١٠) متبع فلانًا" ولم يقيد ذلك بقرينة لفظية ولا حالية؛ فإنه (١١) يقتضي اتباعه في كل الأمور التي يتأتَّى فيها الاتباع؛ لأن من اتبعه في حال وخالفه في أخرى لم يكن وصفه بأنه متبع أولى من وصفه بأنه مخالف، ولأن الرَّضوان حكمٌ تعلق باتباعهم، فيكون الاتباع سببًا [له؛ لأن الحكم المعلق بما هو مشتق يقتضي أن ما منه الاشتقاق سبب، وإذا كان اتباعهم سببًا] (١٢) للرضوان اقتضى الحكم في جميع موارده، ولا اختصاص للاتِّباع (١٣) بحال دون حال، ولأن الاتباع يؤذن بكون الإنسان تبعًا لغيره


(١) في (ك): "يتبع".
(٢) في (ك): "لأن".
(٣) في (ك): "الاعتماد".
(٤) فالإحسان لا يتحقق إلا بالعقيدة الصحيحة، وتلقي العلم الصحيح، والقول الصحيح، حتى يكون معها العمل المستوفي للصفات المقبولة (س)، وسقطت "المتبع" من (ق).
(٥) في المطبوع: "الاغترار".
(٦) في (ق): "لأن".
(٧) كدأب الفرق الضالة من الخوارج والمعتزلة (س).
(٨) وفي ذلك إبطال لثمرة اتباعهم الذي قررته الآية (س).
(٩) في (ق): "أو تبع فلانًا".
(١٠) في (ق): "أو أنا".
(١١) في (ق): "فهذا".
(١٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(١٣) في (ق) و (ك): "لا اختصاص اتباع".

<<  <  ج: ص:  >  >>