كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

فصل [القول في جواز الفتوى بالآثار السلفية] - [الرشد في طاعة أبي بكر وعمر] - ج: 6 - ص: 15

معلوم لمن تأمله من هديهم (١) وسيرتهم، فقد أنكر أبو سعيد على مروان وهو أمير على المدينة (٢)، وأنكر عبادة بن الصامت على معاوية وهو خليفة (٣)، وأنكر ابن عمر على الحجاج مع سَطْوته وبأسه، وأنكر على عمرو بن سعيد (٤)، وهو أمير على المدينة، وهذا كثير [جدًا] (٥) من إنكارهم على الأمراء والولاة إذا خرجوا عن العدل لم يخافوا سَوطهم (٦) ولا عقوبتهم، ومن بعدهم لم تكن لهم (٧) هذه المنزلة، بل كانوا يتركون كثيرًا من الحق خوفًا من ولاة الظلم وأمراء الجور، فمن المحال أن يوفَّق هؤلاء (٨) للصواب ويحرمه أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

الوجه الثامن والثلاثون: ما ثبت في "الصحيح" من حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رقى المنبر فقال: "إن عبدًا خيّره اللَّه بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند اللَّه" فبكى أبو بكر -رضي اللَّه عنه- وقال: بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا لبكائه أن يُخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن رجل خُيّر فكان المخيّر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان أبو بكر أعلمنا به (٩)، وقال (١٠) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أمَنَّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت مُتّخذًا من [أهل] الأرض خليلًا لاتخذتُ أبا بكر خليلًا ولكن أخوةُ الإسلام ومودّته، لا يبقى (١١) في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب

---

(١) في (ق): "لمن تأمل هديهم".
(٢) رواه البخاري (٩٥٦) في (كتاب العيدين): باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، ومسلم (٨٨٩) في (صلاة العيدين): أوله، من حديث أبي سعيد الخدري.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه (١٥٨٧) في المساقاة: باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا قصة بين عبادة ومعاوية، وفيها إنكار عبادة على معاوية.
(٤) إنكار ابن عمر على الحجاج، أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (رقم ١٣٨١) -ومن طرقه ابن أبي الدنيا في "الأمر بالمعروف" (رقم ٥٢) - وإسناده حسن.
وأما الإنكار على عمرو بن سعيد، فظفرتُ أن أبا شريح الخزاعي أنكر عليه، رواه البخاري (١٠٤ و ١٨٣٢ و ٤٢٩٥) ومسلم (١٣٥٤) وأحمد (٤/ ٣٢ و ٦/ ٣٨٥).
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) في (ق): "سطوتهم".
(٧) في (ق): "لم تكن له".
(٨) المتأخرون، ومن المحال أن يكون بين ظهرانيهم منكر في فتيا وغيرها ويقرّونه ولا ينكرونه. (س).
(٩) رواه البخاري (٤٦٦) في (الصلاة): باب الخوخة والممر في المسجد، و (٣٦٥٤) في (فضائل الصحابة): باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سدّوا الأبواب إلا باب أبي بكر"، و (٣٩٠٤) في "مناقب الأنصار": باب هجرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-وأصحابه إلى المدينة، ومسلم (٢٣٨٢) في "فضائل الصحابة": باب من فضائل أبي بكر الصديق.
(١٠) في (ق): "فقال".
(١١) في (ق): "لا يبقيّن".