للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أمر باستئذان البكر، ونهى عن إنكاحها بدون إذنها (١)، وخير -صلى اللَّه عليه وسلم- من نكحت ولم تُستأذن فكيف بالعدول عن ذلك كله ومخالفته بمجرد مفهوم قوله: "الأيم أحق بنفسها من وليها"؟ كيف ومنطوقه صريح في أن هذا المفهوم الذي فهمه من قال: تُنكح بغير اختيارها غير مراد؟ فإنه قال عقيبه: "والبكر تستأذن في نفسها" بل هذا احتراز منه -صلى اللَّه عليه وسلم- من حمل كلامه على ذلك المفهوم، كما هو المعتاد في خطابه كقوله: "لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده" (٢)، فإنه لما نفى قتل المسلم بالكافر أوهم ذلك إهدار دم الكافر، وأنه لا حرمة له، فرفع هذا الوهم بقوله: "ولا ذو عهد في عهده" ولما كان الاقتصار على قوله: "ولا ذو عهد" يوهم أنه لا يُقتل إذا ثبت له العهد من حيث الجملة رفع هذا الوهم بقوله: "في عهده" وجعل ذلك قيدًا لعصمة العهد فيه، وهذا كثير في كلامه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمن تأمله كقوله: "ولا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها"، فإن نهيه عن الجلوس عليها لما كان ربما يوهم التعظيم المحذور رفعه بقوله: "ولا تصلوا إليها" (٣)، والمقصود أن أمره


= وبعد كل هذا يقول الحافظ في "التقريب": صدوق يخطئ. مع أني لم أجد فيه كلمة تشعر بتوثيقه، ورواية أيوب هذه رواها الدارقطني (٣/ ٢٣٥)، ومما يدل على ضعف أيوب هذا أن الدارقطني (٣/ ٢٣٤)، والبيهقي (٧/ ١١٧) روياه من طريق عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري عن سفيان الثوري عن هشام عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة عن ابن عباس به.
قال الدارقطني: هذا وهم من الذماري وتفرد بهذا الإسناد والصواب عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر عن عكرمة مرسل، وهم فيه الذماري عن الثوري وليس بالقوي.
وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٣٦٥) من طريق وكيع عن سفيان عن أيوب عن عكرمة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرق بين رجل وبين امرأة زوجها أبوها وهي كارهة، وكانت ثيبًا. وقال: "فثبت بذلك عندهم خطأ جرير في هذا الحديث من وجهين: أما أحدهما: فإدخاله ابن عباس فيه.
وأما الآخر: "فذكر فيه أنها كان بكرًا، وإنما كانت ثيبًا".
أقول: فهذه الطرق التي تمسكوا بها إذن كلها فيها مقال، فالصواب في هذا الحديث إذن هو الإرسال لأن الذين أرسلوا هم من الثقات الأثبات.
أما ابن القطان فصححه، كما في "نصب الراية" (٣/ ١٩٠)، وأظن هذا على قاعدته أن الثقة إذا وصل حديثًا فالحكم له، ولو خالفه جماعة من الثقات، وفي الباب عن جابر وعائشة انظر: "التلخيص" (٣/ ١٦١)، و"نصب الراية" (٣/ ١٩١)، و"تهذيب السنن" (٣/ ٤٠ - ٤١) للمصنف، وتعليقي على "الإشراف" (٣/ ٢٩٤ - ٢٩٥).
(١) قال (د): "في نسخة: بدون استئذانها"، وهي كذلك في (ك).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>