للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي وَفَّق اللَّه له أصحاب نبيه صلى اللَّه عليه وسلم ورضي عنهم الذين اكتفوا بما جاء به واستغنوا به عما (١) سواه وفتحوا به القلوب والبلاد، وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا، وهو عهدنا إليكم، وقد كان عمر -رضي اللَّه عنه- يمنع من الحديث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن (٢)، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبد أفكارهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث؟ فاللَّه المستعان.

وقد قال اللَّه تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: ٥١]، وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا (٣) عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: ٨٩]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: ٥٧] وكيف يُشفي ما في الصدور كتاب لا يفي هو وما تبينه السنة بعشر معشار الشريعة؟ أم كيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يستفاد منه اليقين في مسألة واحدة من مسائل معرفة اللَّه وأسمائه وصفاته وأفعاله؟ أو عامتها ظواهر لفظية دلالتها موقوفة على انتفاء عشرة أمور لا يُعلم انتفاؤها، سبحانك هذا بهتان عظيم.

وياللَّه العجب كيف كان الصحابة رضي اللَّه عنهم والتابعون قبل وضع هذه القوانين التي أتى اللَّه بنيانها من القواعد وقبل استخراج هذه الآراء والمقاييس [والأوضاع؟ أهل كانوا مهتدين مكتفين بالنصوص أم كانوا] (٤) على خلف ذلك؟ حتى جاء المتأخرون فكانوا أعلم منهم وأهدى وأضبط للشريعة منهم وأعلم باللَّه وأسمائه وصفاته، وما يجب له، و [ما] (٥) يمتنع عليه منهم؟ فو اللَّه لأن يَلقى اللَّه عبده بكل ذنب ما خلا الإشراك خير من أن يلقاه بهذا الظن الفاسد والاعتقاد الباطل.


(١) في (ط) و (ح): "عما ما سواه" والمثبت من (ك) وسائر النسخ.
(٢) خرجته بتفصيل في تعليقي على "الحنائيات" (رقم ٨٩)، فانظره هناك، وانظر: "ذم الكلام" للهروي (٣/ ٢٤٨ - ٢٤٩ و ٤/ ٨ - ٩) مع تعليق محققه الشيخ عبد الرحمن الشبل حفظه اللَّه.
(٣) قال (و): "في النسخ المطبوعة: "وأنزلنا" والصواب ما أثبته".
قلت: وهو على الخطأ في (د).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>