للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاضطروا إلى توسعة طريق أخرى أكثر مما تحتمله؛ فنفاة القياس لما سدّوا على أنفسهم باب التمثيل والتعليل واعتبار الحِكَم والمصالح وهو من الميزان والقسط الذي أنزله اللَّه احتاجوا إلى توسعة الظاهر والاستصحاب، فحمَّلوهما فوق الحاجة ووسعوهما أكثر مما يَسعَانه، فحيث فهموا من النص حكمًا أثبتوه ولم يبالوا بما وراءه، وحيث لم يفهموا منه نفوه، وحملوا الاستصحاب، وأحسنوا في اعتنائهم بالنصوص ونصرها، والمحافظة عليها، وعدم تقديم غيرها عليها من رأي أو قياس أو تقليد، وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة، وبيانهم تناقض أهلها في نفس القياس وتركهم له، وأخذهم بقياس وتركهم ما هو أولى منه.

ولكن أخطأوا من أربعة أوجه. . . " وذكرها (١).

وفصَّل في أخطاء القياسيين، وتعرض إلى (الاستصحاب): معناه وأقسامه، وعاد إلى ذكر أخطاء أهل القياس الخمسة (٢).

وتفرغ ابن القيم بعد ذلك للرد على من أبطلوا القياس، فتعقّب أقوالهم وفندها، وكأنه في هذا المبحث يتعقب كل ما ذكره ابن حزم في رسالة "إبطال القياس" (٣) ومبحث (القياس) من كتابه "الإحكام" (٤) بحيث يمكن اعتبار ما في (إعلام الموقعين) من مباحث في القياس، رسالة مستقلة في إثباته، والرد على إبطال الظاهرية له.

ويعفيني -القارئ الكريم- من متابعة التعريف بجهد المصنف في (القياس) بما ذكرته في مطلع هذا الفصل تحت عنوان (فصول نافعة وأصول جامعة في القياس)، فإنه متمم للمذكور هنا، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن الكتاب بين يديه، والإكثار من سياق فقراته فيه تطويل، وجميع مباحثه في هذا الباب ماتعة، نافعة، قوية، رائعة، تستحق الوقوف عندها (٥)، ليُعلم الفرق بين (التحقيق) و (التفتيش) من جهة، و (الجمع) و (التقميش)


(١) انظرها في (٢/ ٩٨ - ١١٢).
(٢) انظرها في (٢/ ١١٥).
(٣) لابن حزم ملخّص لها، منه نسخة محفوظة في المكتبة العبدلية (الصادقية) بجامع الزيتونة بتونس، وهو بخط الحافظ الذهبي، وله تعقبات قوتة وجيّدة عليه، علقه من خط ابن عربي الصوفي، وكدت أن أفرغ من تخريج نصوصه وتوثيقها، واللَّه الهادي.
(٤) انظر ما سيأتي عنه: تحت عنوان (مصادر المصنف وموارده). وقد فرغتُ -وللَّه الحمد- من مقابلته على أصلين خطيين وتخريج أحاديثه وآثاره، وتوثيق نصوصه. تمهيدًا لنشره، يسر اللَّه ذلك بمنه وكرمه.
(٥) وسيأتي كلام عنه أيضًا، انظر: "منهج ابن القيم في كتابه".

<<  <  ج: ص:  >  >>