للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به: كلُّ (١) ما يُبيّن الحق من شهود أو دلالة، فإنَّ الشارع في جميع المواضع يقصد ظهورَ الحق بما يمكن ظهوره به من البينات التي هي أدلة عليه وشواهد له، ولا يردُ حقًا قد ظهر بدليله أبدًا فيضيع حقوقَ اللَّه وعباده ويعطِّلها، ولا يقف ظهور الحق على أمر معين لا فائدة في تخصيصه به مع مُسَاواة غيره في ظهور الحق أو رجحانه عليه ترجيحًا (٢) لا يمكن جَحْده ودفعه، كترجيح شاهد الحال على مجرد اليد، في صورة مَنْ على رأسه عمامة وبيده عمامة وآخر خَلْفه مكشوف الرأس يعدو أثره، ولا عادة له بكشف رأسه، فبيِّنة الحال ودلالته هنا تُفيد من ظهور صدق المُدّعي أَضْعَاف ما يفيده مجرد اليد عند كل أحد، فالشارعُ لا يُهْمل مثل هذه البيِّنة والدلالة، ويضيّع حقًا يعلم كل أحد ظهوره وحجته، بل لمَّا ظنَّ هذا من ظَنَّه ضيَّعوا طريق الحكم (٣)، فضاع كثير من الحقوق لتوقف ثبوتها عندهم على طريق معين، وصار الظالم الفاجر ممكَّنًا من ظلمه وفجوره، [فيفعل ما يريد] (٤)، ويقول: لا يقوم عليَّ بذلك شاهدان اثنان، فضاعت حقوقٌ كثيرةٌ للَّه ولعباده، فحينئذٍ (٥) أخرج اللَّه أمر هذا الحكم العام (٦) من أيديهم، وأدخل (٧) فيه من أمر الإمارة والسياسة ما يحفظ به الحق تارة ويَضِيعُ به أخرى، ويحصلُ به العدوان تارة والعدل (٨) أخرى، ولو عَرفَ ما جاء به الرسول على وجهه لكان فيه تمام المصلحة المُغْنية عن التفريط والعدوان (٩).


= بلفظ: "المُدَّعى عليه أولى باليمين إلا أن تقوم بينة"، ورجاله ثقات إلا سنان بن الحارث، فقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ولم يذكر فيه شيئًا، وقد روى عنه ثلاثة من الثقات، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وانظر "إرواء الغليل" (٨/ ٢٦٦).
وقال الترمذي -رحمه اللَّه-: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم، أن البينة على المُدَّعي واليمين على المدعى عليه"، وانظر "الطرق الحكمية" بتحقيقي.
(١) في المطبوع: "ألك".
(٢) في (ق): "ترجحًا".
(٣) في (ن) و (ق): "ضيقوا طريق الحق".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(٥) في المطبوع: "حينئذٍ" وفي (ق): "وحين".
(٦) في المطبوع: "أخرج اللَّه أمر الحكم العلمي" وفي (ق): "أخرج اللَّه هذا الحكم العام عن أيديهم".
(٧) في (ق): "دخل".
(٨) في (ن) و (ك): "والعدول".
(٩) قلت: انظر "الطرق الحكمية" (ص ٥ - وما بعدها) لابن القيم، و"مجموع الفتاوى" (٢٠/ ٣٨٨ - ٣٩٠ و ٣٤/ ٢٣٨ و ٣٥/ ٣٩٢ - ٣٩٥) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>