كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

[خطاب عمر إلى أبي موسى] - [أنواع القياس] - ج: 2 - ص: 253

وقد اختُلِفَ في محل هذه الكاف (١) وما يتعلق به، فقيل: هو رفع خبر مبتدأ محذوف، أي: أنتم كالذين من قبلكم، وقيل: نَصبٌ بفعل محذوف، تقديرُه فعلتم كفعل الذين من قبلكم، والتشبيه على هذين القولين في أعمال الذين من قبل، وقيل: إن التشبيه في العذاب، ثم قيل: العاملُ محذوف، أي لَعَنهم وعَذَّبهم كما لعن الذين من قبل، وقيل: بل العاملُ ما تقدم، أي وعد اللَّه المنافقين كوعد الذين من قبلكم، ولَعَنهم كلعنهم، ولهم عذاب مقيم كالعذاب الذي لهم.

والمقصود أنه سبحانه ألحَقَهم بهم في الوعيد، وسَوَّى بينهم فيه كما تساووا في الأعمال، وكَوْنُهم كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالًا وأولادًا فَرْقٌ غير مؤثِّر، فعلَّق الحكم بالوصف الجامع المؤثر، وألغى (٢) الوصفَ الفارق، ثم نَبَّه [سبحانه] (٣) على أن مشاركتهم في الأعمال اقتضت مشاركتهم في الجزاء فقال: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: ٦٩]، فهذه هي العلة المؤثرة والوصف الجامعُ، وقوله: {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} هو الحكم، والذين من قبل هم الأصل، والمخاطَبُون الفرع (٤).

قال عبد الرزاق في "تفسيره": ثنا مَعْمَر، عن الحسن في قوله: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ} قال: بدينهم (٥). ويروى عن أبي هريرة (٦).

وقال ابن عباس: استمتعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا (٧). وقال آخرون: بنصيبهم من الدنيا (٨).

---

(١) يقصد بها الكاف الداخلة على الاسم الموصول في قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}. . . (ط)، وفي المطبوع: "هذا الكاف" ووقع في (ق): "وما تتعلق به".
(٢) في (ن): "وألقى".
(٣) سقطت من المطبوع.
(٤) في (ق): "والخاطبون هم الفرع".
(٥) رواه عن الحسن عبد الرزاق في "تفسيره" (٢/ ٢٨٣ - مكتبة الرشد)، والطبري في "تفسيره" (٦/ ١٧٦)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٨٣٤ رقم ١٠٥٠٤)، وتصحف في المطبوع "إلى بذنبهم"، والتصويب من (ن) ومصادر التخريج.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" (٤/ ١٨٣٤ رقم ١٠٥٠٦)، وأبو الشيخ، كما في "الدر المنثور" (٤/ ٢٣٣).
(٧) في "الدر المنثور" (٣/ ٤٥٨) عن ابن عباس قال: بذنبهم، عزاه لابن أبي حاتم -وهو في "تفسيره" (٤/ ١٨٣٥ رقم ١٠٥٠٩) - وأبي الشيخ.
(٨) انظر "تفسير الطبري" (١٠/ ١٧٦)، وعزاه في "الدر المنثور" (٣/ ٤٥٨) لابن أبي حاتم -وهو في "تفسيره" (٤/ ١٨٣٤ رقم ١٠٥٠٥) - عن السدي.