للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحُصُول الحياة بهذا وهذا، وشَبَّه القلوبَ بالأرض إذ هي محل الأعمال، كما أنَّ الأرض محلُّ النبات، وأنَّ القلبَ الذي لا ينتفع بالوحي ولا يزكو عليه ولا يؤمن به كالأرض التي لا تنتفع بالمطر ولا تخرج نباتها به إلا قليلًا (١) لا ينفع، وأن القلب الذي آمن بالوحي وزَكَا عليه وعمل بما فيه كالأرض التي أخرجت نباتَها بالمطر؛ فالمؤمن إذا سَمعَ القرآن وعَقَله وتَدَبَّرَه بانَ أثرهُ عليه، فشُبِّه بالبَلدِ الطيب الذي يمرعُ ويخصب ويحسن أثر المطر عليه فيُنبت من كل زوج كريم، والمعْرِضُ عن الوحي عَكْسُه، واللَّه الموفق.

ومنه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ [ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ] (٢) لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: ٥]، يقول سبحانه: إن كنتم في ريب من البعث فلستم ترتابون في أنكم مَخْلُوقون، ولستم ترتابون في مبدأ خَلْقِكم من حال إلى حال إلى حين الموت، والبعث الذي وُعِدْتم به نظير النشأة الأولى، فهما نظيران في الإمكان والوقوع، فإعادتكم [بعد الموت] (٣) خَلْقًا جديدًا كالنشأة الأولى التي لا ترتابون فيها، فكيف تنكرون إحدى النشأتين مع مشاهدتكم لنظيرها؟

وقد أعاد سبحانه (٤) هذا المعنى وأبْدَاه في كتابه بأوْجَز العبارات، وأدَلِّها، وأفصحها، وأقْطَعها للعُذْر، وألزمها للحجة، كقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (٥٩) [نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦١)] (٢) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (٦٢)} [الواقعة: ٥٨ - ٦٢]، فدلَّهم بالنشأة الأولى على الثانية، وأنهم لو تذكَّروا لعلموا أن لا فَرْقَ بينهما في تَعلُّق القدرة بكل واحدة منهما، وقد جمع سبحانه بين النشأتين في قوله؛ {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (٤٧)} [النجم: ٤٥ - ٤٧] وفي (٥) قوله: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً


(١) في (ق): "يخرج نباتها إلا قليلًا".
(٢) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "إلى قوله".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٤) زاد هنا في (ك): "ذكر"، والعبارة في (ق): "أعاد سبحانه ذكر هذا المعنى في كتابه وأبداه".
(٥) في (ق): "و".

<<  <  ج: ص:  >  >>