للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأمل قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١] كيف تجد تحته -بألطف دلالة وأدقها وأحسنها- أنه من اجتنب الشرك جميعه كُفِّرتْ عنه كبائرُه، وأن نسبة الكبائر إلى الشرك كنسبة الصغائر إلى الكبائر، فإذا وقعت الصغائر مكفَّرة باجتناب الكبائر، فالكبائر تقع مكفرة باجتناب الشرك، وتجد الحديث الصحيح؛ كأنه مشتقٌ من هذا المعنى، وهو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يَروي عن ربه تبارك وتعالى: "ابن آدم إنك لو لَقيتني بقُراب (١) الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لقيتُكَ بقُرابها مغفرة" (٢)، وقوله: "إن اللَّه حَرم على النار مَنْ قَال: لا إله إِلَّا اللَّه خالصًا من قلبه" (٣) بل مَحْو التوحيدِ -الذي هو توحيد- الكبائر (٤) أعظم من مَحْو اجتناب الكبائر للصغائر.

وتأمل قوله [تعالى] (٥): {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: ١٢ - ١٤]، كيف نبَّههم (٦) [بالسفر الحسي علي] (٧) السفر إليه؟ وجمع لهم بين السفرين، كما جمع لهم [بين] (٨) الزادين في قوله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] فجمع لهم بين زاد سفرهم وزاد معادهم؟ وكما جمع بين اللِّباسين في قوله: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ


(١) أي: "ما يقارب ملأها" (و).
(٢) رواه أحمد (٥/ ١٤٧، ١٤٨، ١٥٣، ١٥٤، ١٥٥، ١٦٧، ١٧٢، ١٨٠)، ومسلم (٢٦٨٧) في (الذكر والدعاء): باب فضل الذكر والدعاء، والتقرب إلى اللَّه تعالى، وابن ماجة (٣٨٢١) في (الأدب): باب فضل العمل، من حديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه-.
(٣) رواه البخاري (٤٢٥) في (الصلاة): باب المساجد في البيوت، و (١١٨٦) في (التهجد): باب صلاة النوافل جماعة، و (٤٥٠٩) في (المغازي): باب شهود الملائكة بدرًا، و (٥٤٠١) في (الأطعمة): باب الخريزة، و (٦٤٢٣) في (الرقاق): باب العمل الذي يبتغي به وجه اللَّه، و (٦٩٣٨) في استتابة المرتدين: باب ما جاء في المتأولين، ومسلم (٣٣) (٥٤) في (الإيمان): باب الدليل على من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، من حديث عتبان بن مالك ولفظه: "إن اللَّه حرم على النار من قال: لا إله إِلَّا اللَّه يبتغي بذلك وجه اللَّه"، وفي (ق): "مخلصًا من قلبه".
(٤) في (ن): "الذي هو التوحيد والكبائر"، وفي (ق): "الذي هو التوحيد للكبائر".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) في (د): "نبهم"، وفي (و): "لبههم".
(٧) بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "عن السفر الحسي عن".
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>