للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلامه، وطرق الأدلة عليه متنوعة لشدَّة الحاجة إليه، ولا سيما عند غلاة القياسيين الذين يقولون: إن النصوص لا تفي بعشر معشار الحوادث، وعلى قول هذا الغالي الجافي عن النصوص، فالحاجة إلى القياس أعظم من الحاجة إلى النصوص، فهلا جاءت الوصيةُ باتباعه ومراعاته، والوصية (١) بحفظ حدود ما أنزل اللَّه على رسوله وأن لا تُتعدى (٢)؛ ومعلوم أن اللَّه سبحانه حَدَّ لعباده حدودَ الحلال والحرام بكلامه، وذمَّ مَنْ لم يعلم حدودَ ما أنزل اللَّه على رسوله [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (٣)، والذي أنزله هو كلامه؛ فحدود ما أنزله (٤) اللَّه هو الوقوف عند حد الاسم الذي عَلَّق عليه الحِلَّ والحرمةَ، فإنه هو المنزلُ على رسوله وحده بما (٥) وُضع له لغة أو شرعًا، بحيث لا يدخل فيه غير موضوعه، ولا يخرج منه شيء من موضوعه (٦)، ومن المعلوم أنَّ حد البُرِّ لا يتناول الخردل، وحد التمر لا يدخل فيه البلوط، وحد الذهب لا يتناول القطن؛ ولا يختلف الناس أن حدّ الشيء ما يمنع دخول غيره فيه، ويمنع خروجَ بعضه منه. وقد تقدم تقريرُ هذا (٧) وأعَدْنَاهُ لشدة الحاجة إليه، فإنَّ أعلمَ الخلق بالدين أعلمهم بحدود الأسماء التي عُلِّق بها الحل والحرمة، والأسماء التي لها حدود في كلام اللَّه ورسوله ثلاثة أنواع (٨): نوع له حد في اللغة، كالشمس والقمر والبر والبحر والليل والنهار، فمن حمل هذه الأسماء على غير مُسمَّاها أو خَصَّها ببعضه أو أخرج منها بعضه (٩) فقد تَعدَّى حدودها؛ ونوعٌ له حد في الشرع، كالصَّلاة والصيام والحج والزكاة والإيمان والإسلام والتقوى ونظائرها، فحكمها في تناولها لمسمياتها الشرعية كحكم النوع الأول في تناوله لمسماه اللغوي؛ ونوعٌ له حد في العُرف لم يحده اللَّه ولا رسوله (١٠) بحد غير المتعارف، ولا حد له في اللغة كالسفر والمرض المبيح للتَّرخُّص والسَّفَه والجنون الموجب للحَجْرِ، والشقاق الموجب لبعث الحكمين، والنشوز المسوِّغ لهجر الزوجة وضَرْبِها، والتراضي المسوغ لحلِّ التِّجارة، والضّرار المحرم بين المسلمين، وأمثال ذلك،


(١) في (ق): "أو الوصية".
(٢) في (ق): "يتعدى".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ن) و (ك).
(٤) في (ق) و (ك): "ما أنزل اللَّه".
(٥) في (ق): "ما".
(٦) في (ك): "موضعه".
(٧) في (ق): "بعضه عنه وتقدم تقرير هذا" وفي (ك): "بعضه عنه".
(٨) نحوه في "مجموع فتاوى ابن تيمية" (١٩/ ٢٣٥ - ٢٣٦).
(٩) في (ق): "بعضًا".
(١٠) في المطبوع و (ق) و (ك): "ورسوله".

<<  <  ج: ص:  >  >>