للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له بما لا حَقَّ للمُوصي فيه، وأما في المسألة الثانية فإنما قصد أن يعود نفعه إليه بثواب النفقة (١) في الحج، فإن لم يحصل له غرضه لم تنفع الوصية، وهذا الفرق نفسه هو المبطل للفرق بين المسألتين؛ فإنه بتعيُّن الحج قطع ما توهموه (٢) من دفع المال إليه يفعل به ما يريد، وإنما قصد إعانته على طاعة اللَّه ليكون شريكًا له في الثواب، ذاك بالبدن وهذا بالمال، ولهذا عين الحج مصرفًا للوصية، فلا يجوز إلغاء ذلك وتمكينه من المال يصرفه في ملاذِّه وشهواته، هذا من أفسد القياس، وهو كما لو قال: "أعطوا فلانًا ألفًا ليبني بها مسجدًا أو سقاية أو قنطرة" لم يجز أن يأخذ الألف [إن لم] (٣) يفعل ما أوصى به، كذلك الحج سواء.

وفرّقتم بين ما جمع محض القياس بينهما فقلتم: إذا اشترى عبدًا ثم قال له: "أَنت حُرٌّ أمس" عتق عليه، ولو تزوجها ثم قال لها: "أنت طالق أمس" لم تطلق، وفرّقتم بأن العبد لما كان حرًا أمس اقتضى تحريم شرائه واسترقاقه [اليوم] (٤)، وأما الطلاق فكونها مطلقة أمس لا يقتضي تحريم نكاحها اليوم، وهذا فرق صوري لا تأثير له ألبتة، فإن الحكم إن جاز تقديمه (٥) على سببه وقع العتق والطلاق في الصورتين، وإن امتنع تقدمه [في الموضعين] (٦) على سببه لم يقع واحد منهما، فما بال أحدهما وقع دون الآخر؟ (٧).

فإن قيل: نحن لم نفرِّق بينهما في الإنشاء، وإنما فرقنا بينهما في الإقرار والإخبار، فإذا أقرّ بأَنَّ العبدَ حر بالأمس [لزمه العتق، وإذا أقرّ بالطلاق] (٨) لم يلزم بطلان النكاح اليوم؛ لجواز (٩) أن يكون المُطلِّق الأول قد طلقها أمس قبل الدخول فتزوج هو بها اليوم.


(١) في (ق) و (ك): "أن يعود إليه بثبوت النفقة".
(٢) في المطبوع: "توهمتموه".
(٣) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ولا".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٥) في (ق): "تقدمه".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٧) انظر: "بدائع الفوائد" (٣/ ١٠٠، ١٤٨)، و"تهذيب السنن" (٥/ ٤٢٤ - ٤٢٥) و (٦/ ٣٣٩).
(٨) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فقد بطل أن يكون عبدًا، فعتق باعترافه، وإذا أقر بأنها طالق أمس".
(٩) في (ق): "إذ يجوز".

<<  <  ج: ص:  >  >>